“الموسوعة السياسية” وملء الفراغ المعرفي

3b99bab2-feature-article-postgraduate-politics-and-policy-study-options-explained-838x484-2018
موسوعة السياسية

من المفارقة، أنه ورغم أننا في عالم أصبح الوصول إلى المعلومات فيه أسهل؛ إلا أنه ما تزال هناك فجوة من الفقر المعرفي رغم سهولة الوصول وكثافة المعلومات، لا سيما في حقل العلوم السياسية باللغة العربية.

اضافة اعلان

 

ولعل هذه السهولة والكثافة، تنحيان بالمرء لأن يستقصي أكثر ويغربل كمّاً كبيراً من المعلومات التي يصادفها -وعادةً ما تكون غير مُسنَدة أو منقوصة أو مضلِّلة أو مبالغا بها أو موجِّهة- من أجل الوصول إلى ما يقترب من الصواب أو الحياد، تحديداً إن كان هذا المرء باحثاً أو طالباً.

 

دفعت تلك الفجوة مجموعة من خريجي كلية العلوم السياسية والعلاقات الدولية إلى إطلاق مبادرة تطوعية في شهر شباط (فبراير) 2016 حملت حينها اسم “مدونة البحوث السياسيّة”، هدفوا من خلالها إلى إنشاء موقع إلكتروني ينشر مقالات أكاديميّة مفاهيميّة متعلقة بعلم السياسة ونظريّاته.

 

اعتقد منشئو المدونة أن المبادرة يمكن أن تسهم إيجابياً في مجال العلوم السياسية في العالم العربي؛ من خلال توفير معلومات موثوقة ودقيقة يسهل الوصول إليها، وتجمع بين الدقة الأكاديمية واللغة المبسّطة، ما يجعل المحتوى المقدم أكثر قابلية للفهم، خاصةً لطلاب كليات العلوم السياسية والعلاقات الدولية والعلوم المرتبطة بهما.

 

وخاصةً بعدما عانى المنشئون -أثناء فترة دراستهم الجامعيّة- من قلّة المراجع العلمية التي تساعدهم في أبحاثهم ومسيرتهم الأكاديمية، ليقرروا بعد تخرّجهم في الجامعة، ومن خلال هذه المبادرة، مساعدة زملائهم في كليات العلوم الاجتماعية والسياسية العربية، بتوفير أساسيات ومراجع البحث العلمي، وتأمين الموارد اللازمة للطلاب والباحثين.

 

ومرحلياً، حُدِّثت المبادرة لتصبح موسوعة سياسية شاملة تسعى إلى تقديم المفاهيم والنظريات السياسية بطريقة تلائم الفرد الناطق باللغة العربية، على أمل أن يثير هذا النهج مزيدًا من الاهتمام بالعلوم السياسية، ويرفع مستوى هذا الاهتمام، ويشجع الناس على المشاركة في إدراك الخطاب السياسي وأبعاده.

 

وأصبحت الموسوعة تغطي مواضيع ومفاهيم مختلفة في العلوم السياسية، بما في ذلك النظريات والأيديولوجيات والنظم السياسية والتحولات السياسية المختلفة في العالم.

 

وأضافت إلى محتواها القاموس السياسي الذي يحدد مسار المصطلحات والمفاهيم السياسية عبر التاريخ، إضافةً إلى الاتفاقيات والإعلانات السياسية والاقتصادية التي طُرحت وعُقدت في ظروف اجتماعية تاريخية معينة، وتبيان مسبباتها ونتائجها، إضافة إلى المكتبة الإلكترونية القابلة للتحديث، والحاوية لأكثر من ألف مرجع ودراسة على هيئة كتب ومجلات، عدا عن قسم المنح التدريبية الذي يضم عدداً من الفرص التدريبية والدراسية بمختلف درجاتها:

 

بكالوريوس، ماجستير، دكتوراه، إضافة إلى فرص “الزمالات” التي من الممكن أن يستفيد منها طلاب وخريجو كليات العلوم السياسية.

 

وتعمل الموسوعة، اليوم، على تطوير قسم آخر، هو منصة التدريب، الذي سيوفر دورات “أونلاين” عن مواضيع أكاديمية محددة.

 

تعد مبادرة الموسوعة مساهمة قيمة في مجال العلوم السياسية باللغة العربية؛ فمن المؤكد أن التزامها بنشر محتوى أكاديمي غني بالمعلومات الموثوقة سيحاول سد فجوة المعرفة الموجودة، إضافة إلى أنه في هذا اليوم أصبح من الضروري أن تتاح الفرصة للجميع للتعامل مع القضايا المعقدة، والسياسية منها، التي تؤثر على حياتهم.

 

أُطلِقَت الموسوعة السياسية بهدف توفير مصدر شامل للمعلومات السياسية، ولا يتعلق الأمر فقط بتوفير المعلومات، بل تحقيق رؤية مفادها تعميم الوعي السياسي ونشر الثقافة السياسية في المجتمع، وزيادة المعرفة بالمصطلحات والمفاهيم التي يقوم عليها لفكر السياسي، إضافة إلى ذلك، فإن الموسوعة تسهم في تطوير مهارات التفكير والتحليل لدى الأفراد وتساعد على تنظيم المعلومات المتعلقة بالاجتماع والسياسة والاقتصاد والقانون.

 

تلتزم الموسوعة السياسية ببروتوكول يشمل قواعد النشر والاستخدام العام، وسياسة حماية البيانات وتدابير الأمن التي تضمن سلامة وجودة هذه الموسوعة، ويركز على تحقيق أهداف الموسوعة المذكورة، ويحترم مبادئ الأخلاق والتعاون والشفافية والحياد والمصداقية والتطوعية.

 

على مدى السنوات الماضية، نجحت مبادرة الموسوعة السياسية في جذب عدد كبير من المهتمين والقراء الذين يتابعون محتواها بشغف واهتمام، وهو ما يؤكد أهمية هذا المشروع ودوره الحيوي في دعم العلوم السياسية وتعزيز مكانتها في الوطن العربي.

 

تعد هذه المبادرة فرصة عظيمة للمجتمع العربي للاطلاع على الخلفيات التاريخية للأحداث السياسية الحالية، واستكشاف علم السياسة بطريقة لا تخلو من المتعة رغم النبرة الرصينة والباردة للموسوعة.

 

حتى الوقت الحالي، لا يوجد للموسوعة السياسيّة أي تمويل أو مصدر دخل، إلا أنها تسعى لتكوين شراكات في المستقبل لتمويل الاحتياجات الرئيسية للموقع، شرط ألا تخالف هذه الشراكات المبادئ الأساسية التي وجدت عليها الموسوعة.

 

ومن البديهي ألا يكون للموسوعة السياسيّة أي موقف سياسي مؤيد أو معارض لأي طرف من الأطراف السياسية بمختلف تصنيفاتها، فهي مبادرة علمية بحتة، تبتعد عن الانحياز لأي طرف كان، مُتمسكةً بمبادئها بُغية نيل ثقة الجميع.