"متلازمة راتب أيار".. "تنفيس" بصيغة فكاهية يتصدر السوشال ميديا لمواجهة الضغوط

"متلازمة راتب أيار".. "تنفيس" بصيغة فكاهية يتصدر السوشال ميديا لمواجهة الضغوط
"متلازمة راتب أيار".. "تنفيس" بصيغة فكاهية يتصدر السوشال ميديا لمواجهة الضغوط

رغم التعبير عن العوز والضائقة المالية التي يمر بها أبناء المجتمع العربي في بعض الدول، إلا أن مئات المقاطع المصورة والعبارات المنشورة على حسابات مواقع التواصل الاجتماعي، عبرت بطريقة فكاهية ساخرة عن هذا الحال، ووصفت بـ"متلازمة شهر أيار"، وهي الفترة التي تبعت استلام الرواتب مبكراً الشهر الماضي، مروراً بالعيد، الذي أدى إلى "نفاد الراتب قبل فترة طويلة من موعد استلام الراتب المقبل".

اضافة اعلان


تبادل مرتادو ومتابعو مواقع التواصل تلك المقاطع المدبلجة أو الصور المركبة التي تحاكي حالة العوز بين صفوف المواطنين، وفي بيوت الأسر التي تعتمد في حياتها على "الراتب" نهاية كل شهر، إلا أن الطريف في ذلك بأن كل ما تم بثه، كان بقالب كوميدي، والذي اعتبره البعض نوعا من "المواساة بالأحوال.. والتخفيف من الضغط النفسي".


مقاطع فيديو "مركبة" لبعض لقطات أفلام أو مسلسلات تم من خلالها اختيار كلمات وأغان تتلاءم والوضع الاقتصادي العام في المجتمع، صورة وضعت لردة فعل معينة، ما إن ينظر لها الشخص حتى يرى فيها عبارات عن شهر أيار (مايو)، والربط بين شهر رمضان الذي تم فيه استلام آخر "راتب" وما يحدث للأسر الآن من انتظار لنهاية الشهر الحالي.


"يا بتعملوا راتب على قد الشهرين أو تعملوا شهر على قد الراتب"، كان ذلك أحد التعليقات الساخرة التي أثارت الضحك بين المتابعين، والتي دونها أحد الأشخاص على أحد حسابات "فيسبوك" لتتعاقب التعليقات والردود التي تتحدث عن الحال الذي وصلت له بعض العائلات بعد نفاد راتب شهر أيار (مايو) منذ بدايات الشهر.
منهم من علق بطريقة ساخرة، ومنهم من كان يتحدث بواقع أليم وحسرة على الحال الذي وصل إليه من حالة عوز وحاجة لأي مبلغ من المال "لتمضية الشهر"، خاصة وأن عيد الأضحى بات على الأبواب ويأتي بالتزامن مع راتب شهر حزيران (يونيو)، الذي يتمنى كثيرون أن يكون موعد "الراتب مبكراً عن المعتاد"، لشراء مستلزمات عيد الأضحى.


المئات من المقاطع التي تم تداولها كان أغلبها من مصر، ومن ثم الأردن، وهما من الدول التي التزمت حكومتها بتسليم الرواتب قبيل نهاية الشهر وحلول عيد الفطر؛ حيث لاقى هذا الأمر استحسان الموظفين على وجه التحديد الذين يعتمدون على الراتب في حياتهم المعيشية، ولكنهم صدموا بالواقع الأليم الذي تبع "تبخر الراتب"، على حد تعبيرهم، بعد أيام من استلامه.


الخبيرة في علم الاجتماع الاختصاصية الدكتورة فاديا إبراهيم، تقول حول هذا الحال أو الظاهرة المجتمعية "إنه وبالرغم من الضائقة المادية التي يمر بها العديد من الناس والقلق والتوتر الذي يعيشونه بسبب الوضع الاقتصادي، إلا أنهم يعيشون تلك الظروف بشيء من السخرية و"الاستهزاء" عبر منابر مواقع التواصل الاجتماعي التي تتيح لهم التعبير بالطريقة التي تناسبهم، ويرافق ذلك تفاعل الكثيرين معهم في الحوار ذاته".


وتعتقد إبراهيم أن الكثير من الأردنيين يحاولون التخفيف من وقع تلك الضائقة أو الأزمات عليهم من خلال "تسخيفها ووضعها بقالب فكاهي مضحك"، في محاولة منهم لأن تكون أزمة عابرة وسطحية من خلال إظهارها بطابع كوميدي وإن كانت هذه الكوميديا سوداء، إلا أنها تصبح عدوى اجتماعية وتنتشر بين الناس كوسيلة لتخفيف الضغوط.


ووفقا لدراسة نشرت في مجلة "Cognitive Processing"، بين علماء النفس أن ردود الفعل بطريقة الكوميديا السوداء تشير إلى "الذكاء"، مشيرين إلى أن الأشخاص القادرين على التعامل مع مشاكلهم والأزمات العامة بطريقة الكوميديا السوداء، قد يكون لديهم معدل ذكاء أعلى وعدوانية أقل ويقاومون المشاعر السلبية بشكل أكثر فعالية من غيرهم.


وتُعرف الكوميديا السوداء (Black Comedy)، بأنها أحد أشكال الكوميديا التي يتم من خلالها التعامل مع العديد من المواضيع، ذات الرأي العام عادة، وتكون ذات طابع مؤلم وجاد، بطريقة ساخرة وتثير الضحك لدى الجمهور المتلقي، ومنها قضايا الفقر والعوز، كما يحدث في هذه الحالة، وقد يتعمد البعض المبالغة في الطرح للمواضيع بهدف إضحاك الناس ولفت نظرهم لقضية ما.


وترى إبراهيم أن هذه الطريقة في التعبير تعد أمرا جيدا، كونها تساعد على التخفيف من الضغوط التي يعاني منها الفرد، وتسهم في تحسين مستوى الصحة النفسية للجميع، فهي أسلوب إيجابي؛ حيث يستبدل الشخص الحوار وتفريغ الضغوط بطريقة تمتاز بـ"أعصاب باردة وهادئة وليس بطريقة تتسم بالشدة والعصبية".


والسخرية من الواقع أو "الكوميديا السوداء" فيما يتلعق بالتعبير أو الرد على المشاكل، أياً كان نوعها، اقتصادية أم اجتماعية أو حتى سياسية بأسلوب السخرية والنكات، هي أمر يمكن ملاحظته في مختلف المجتمعات وفي كل دول العالم، موجود في أغلب الثقافات وليس فقط في الأردن، وفق إبراهيم؛ إذ تعد وسيلة للهروب من الحدث الضاغط وطريقة للتعامل مع الأحداث بطريقة مختلفة، وهذا أفضل بكثير من مخاطر التعامل مع الحدث بشكل سلبي أو "جدي" أو عدم القدرة على التعامل معه لصعوبته.


وبين ضحكات المواطنين على التعليقات والصور التي تحاكي واقع الحال "المرير" لدى الكثيرين، ومواجهة الواقع الذي يقف فيه الموظفون الآن بانتظار رواتبهم، تبقى تلك التعليقات الفقاعة التي تضحك، ولكنها تبكي في الوقت ذاته، وما التعبير بهذه الطريقة إلا إحدى صور "الكبت النفسي والضغوط المالية، خاصة على أرباب الأسر".


وتؤكد إبراهيم أنه، ورغم ذلك، يجب أن نحذر من انتشار ثقافة السخرية في المجتمع، فيصبح الجميع يتناولون قضايا المجتمع ومشكلاته بشيء من الاستهزاء وعدم الجدية، ويصبح السلوك الجمعي للأفراد غير مسؤول، وهذه السلوكيات لها مخاطر على المجتمع وعلى الأجيال المقبلة في التعامل مع المشكلات، فيفقدون مهارة حل المشكلات وإدارة الأزمات، لذلك لابد من شيء من الجدية حتى لا تحدث السخرية المبالغ فيها تأثيراتها في العقلية المجتمعية المتلقية، فتفقد الأمور أهميتها.

 

اقرأ أيضاً: 

صرف الرواتب المبكر.. هل استنزفت فوائده وبقيت عواقبه؟