الشارع الرئيسي!

د. نضال المجالي

عُرفت البيئة بأنها كل ما يحيط بالإنسان، وليس فقط الشارع الرئيسي الذي يلقى الاهتمام والرعاية، كما هو الحال اليوم، نحتاج كثيرا للدخول إلى الأزقة والشوارع الفرعية حين نفكر بكل ما يمس الفرد، ولكن للأسف كما هي في كثير من الأحيان “نهتم بما يراه المعني فقط وليس ما يعني الآخرين” وهذه مشكلة الإدارة.اضافة اعلان
المقدمة اعلاها ليست رسالة لوزير الأشغال، أو رئيس البلدية، أو المحافظ، أو لسعادة نائب محافظة في الأردن، بل ما أقصده أبعد من ذلك، واتحدث هنا عن دعوة للتركيز بالجراحة الداخلية أكثر منها التجميلية في إدارة مفاصل الحياة والإدارة، والتي ليس سهلا النجاح بها إن كانت جراحة داخلية مفصلية.
مثلا كلنا يعلم أن أي مسؤول أو نائب يستطيع ان يلقى القبول العام عندما يقتصر دوره على فعاليات استقبل وودع، أو أفتتح وزار أو أكّد في خطابه ونعى في صفحته مواطنا، ويقدر أي مسؤول أن ينال الرضى الشكلي، والثناء أمام المعني إن كانت غايته نجامل فقط في فكر إدارته، ولكن تبقى العلة موجودة!
ولهذا ما يوجّه ملكيا في تطوير الإدارة والقطاع العام، يحتاج من الجهات التنفيذية العليا أن يوجه للمفاصل الداخلية في مفهوم الإدارة، وفي نموذج شكلها في المؤسسات، وأقصد النظر الى الهيكل التنظيمي بمفهوم أوسع من مخطط ورسم بياني لتوزيع المناصب، بقدر ما هو خريطة إدارة المهام في الأدوار للمؤسسات بما يضمن وضوحاً أكثر، ورقابة أدق، وتقييما صارما مستمرا، ومراجعة دائمة في كل مهمة توكل لموظف أو مسؤول.
كما لا بد من إعادة النظر في شكل الدور، ومدى التمثيل لأجهزة الرقابة الحكومية بمختلف مسمياتها، فبقدر الضرورة كان قدر الضرر والأثر، وذلك بالتراجع في جوهر العمل للمؤسسات والوزارات، سواء من ضعف القرار أو تراجع المسؤول، أو بطء الإنجاز، وأخيراً التركيز بالظاهر من العمل، فأصبح لا يصل بالنتيجة المرجوة لأبعد من “الشارع الرئيسي”، ليبقى كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه! وهنا لا أقصد الإلغاء لدورها، بل اقصد العمل بمفهوم التوعية والحماية المسبقة، وليس ترقب الزلل والحكم بالفساد، وذلك لا ينطبق على من هو فعلا يعمل في بناء مصلحته لا أكثر، فهذا النموذج يستوجب رصاصة الرحمة حماية للمؤسسة والوطن والمواطن -وأقصد برصاصة الرحمة- الحكم بفساده والتشهير به وعزله من أي عمل رسمي، وأتمنى ان لا يعود لمنصب هام بعدها !!
وفوق كل ما سبق يكن الجوهر لا الشكل في الإنجاز والعمل عند حسن اختيار الموظف صاحب الولاية والمسؤولية لاداء المهمة مهما كانت فئته، وحُسن الاختيار يبدأ من قدرة الموظف على معرفة الأزقة والأحياء قبل معرفة الشارع الرئيسي، ليكن على الأقل يعلم من أين يبدأ، لنعلم حينها نحن أين سينتهي، وأن يكون بقدر الوعي لأهمية عمله مهما كان، وأن تحركه أسس ناظمة وحوكمة صادقة في الاداء والتفكير، وأن لا “يهز” رأسه طاعة للمسؤول فيما خالف الحق والنظام والمصلحة العامة، وغير ذلك كثير من الصفات التي يعجز مقال عن ذكرها.
هنا نحن أمام ضرورة إعادة هندسة الفكر والإدارة والمؤسسة والموظف، أمام ضرورة المواجهة للمصلحة العامة، أمام ضرورة البناء من جديد، والجديد ليس صفراً، فنحن نملك القواعد الأساسية، والأنظمة الصارمة، والإستراتيجيات المتقدمة، والدراسات المستفيضة، والخطط المدروسة، والرغبة بالوصول للهدف، ولكن ما نحتاجه أن يكون كل ما سبق في الفكر والاداء الجمعي والمعني أيضاً، وليس فقط في فكر قلة فقط، فلم يعد مجال للمطالبة والإبقاء على التركيز لخدمة “الشارع الرئيسي” فقط، فوجب اليوم لا غداً أن تكون كل الشوارع الفرعية شارعاً رئيسياً.