الناقل الوطني للمياه: الخيار الإستراتيجي للأمن المائي الأردني

إياد الدحيّات

يحرص جلالة الملك عبد الله الثاني حفظه الله ورعاه، على الإصلاح الاقتصادي، ويؤكد دوماً على بناء مستقبل مشرق نعزز فيه أمننا واستقرارنا، ونمضي خلاله في مسيرة البناء إلى آفاق من التميز والإنجاز والإبداع. وتعتبر رؤية التحديث الاقتصادي التي تم اطلاقها برعاية ملكية سامية أبرز حدث على مستوى الوطن وتؤسس لأردن مزدهر خلال السنوات العشر المقبلة، وتستهدف إطلاق الإمكانات لبناء المستقبل مرتكزة على النمو المتسارع والارتقاء بجودة الحياة في إطار نهج مستدام. ويعتبر الناقل الوطني للمياه المشروع الاستراتيجي ذا الأولوية القصوى في أجندة وبرامج العمل التنفيذية لقطاع مياه للمساهمة في تحقيق أهداف رؤية التحديث الاقتصادي.اضافة اعلان
حيث يواجه قطاع المياه تحديّاً رئيسياً يتمثل بعدم التوازن بين الموارد المائية المتاحة والاحتياجات المائية المطلوب توفيرها لتلبية الطلب على المياه الناتج عن النمو السكاني والهجرات القسرية والنشاطات الصناعية والزراعية المتزايدة، ويعاني الأردن من عجز سنوي بالمياه يقدّر بكمية 400 مليون متر مكعب، إضافة إلى تأثيرات حالة التغير المناخي وتراجع كميات الهطول المطري بنسبة تزيد على 20 في المائة، والذي أدّى إلى الإفراط في استغلال موارد المياه الجوفية بشكل غير مستدام كحل قصير الأمد لتقليل الأثر السلبي على كافة النواحي المعيشية والاقتصاد الوطني.
وللتصدّي لهذا التحدي وتعزيز الأمن المائي الأردني وتحقيق الهدف السادس من أهداف التنمية المستدامة وتنفيذ متطلبات العقد الدولي للمياه وضمان توافر المياه وإدارتها المستدامة للجميع باعتبارها قضية وجودية، لا بد من تسريع وتيرة العمل بتنفيذ مشروع الناقل الوطني للمياه، حيث تمّ سابقاً طرح عطاء تنفيذ هذا المشروع للمطوّرين والشركات العالمية على مبدأ الشراكة ما بين القطاعين العام والخاص، وذلك لتمويل وبناء وتشغيل كل من محطة التحلية ونظام أنابيب ناقل مياه التحلية بطول 460 كيلومترا ومواز للخط الناقل القائم لمشروع مياه الديسي، ولفترة امتياز تبلغ مدّتها 30 عاماً، بهدف توفير 300 مليون متر مكعب سنوياً من المياه الصالحة للشرب من محطة التحلية لمياه البحر التي سيتم تشييدها جنوب مدينة العقبة لكل من محافظة العاصمة بكمية 250 مليون متر مكعب، ومدينة العقبة بكمية 50 مليون متر مكعب.
ويكون تسريع وتيرة العمل من خلال التعديل في إجراءات تنفيذ المشروع الحالي وفصله لجزئين دون تأخير تنفيذ أحدهما على الآخر وهما نظام نقل المياه الوطني الاستراتيجي ومحطة تحلية المياه في مدينة العقبة. ولغاية تنفيذ نظام نقل المياه الوطني الاستراتيجي، يتم تأسيس شركة حكومية تسمّى «شركة ناقل المياه الوطني» تكون مسؤولة عن هذا النظام وتشمل مهامها تصنيع الأنابيب والتمويل والتنفيذ حيث إن الحكومة الأردنية هي الأقدر على إدارة مخاطره والتنسيقات المطلوبة وإنجازه حسب الجداول الزمنية والموازنات المالية المتوقعة، في حين يكون تنفيذ محطة التحلية في مدينة العقبة على مبدأ الشراكة ما بين القطاعين العام والخاص من خلال المطوّرين والشركات العالمية المتخصصة التي ستكون مسؤولة بالكامل عن تمويله وتصميمه وبنائه وتشغيله وربطه على نظام نقل المياه الوطني الاستراتيجي، حيث يستطيع المطوّر السيطرة بشكل كبير على كافة مراحل اختيار تكنولوجيا التحلية والتنفيذ والتشغيل بشكل أفضل.
ومن الأهمية بمكان أن يعمل نظام نقل المياه الوطني الاستراتيجي على توفير مورداً مستداماً وأساسياً للمياه يعمل على تعزيز مرونة التزويد المائي الوطني والاستعداد لجميع حالات الطوارئ والأزمات أثناء الحياة اليومية أو الكوارث الطبيعية ولكافة محافظات المملكة، لذا يجب ربط ونقل كافة الموارد المائية غير التقليدية التي يمكن تطويرها وليس فقط مياه محطة التحلية عليه وبشكل دائم، ليكون فعلاً نظاما وطنيّاً استراتيجيّاً للحكومة الأردنية. ومن أهم هذه الموارد المائية غير التقليدية المياه الجوفية العميقة في كل من حوض الديسي الغربي والشرقي بكمية 50 مليون متر مكعب، والحسا والكرك وجنوب عمان بكمية 75 مليون متر مكعب، العاقب الجنوبي في المفرق بكمية 15 مليون متر مكعب، والمياه شبه المالحة في منطقة دير علا وحسبان بكمية 30 مليون متر مكعب. إضافة لذلك يجب تنفيذ مخارج مياه رئيسية أصيلة (وليست طارئة) من نظام نقل المياه الوطني الاستراتيجي لكافة المحافظات في المملكة والمراكز ذات الكثافة السكانية العالية والمدينة الجديدة شرق الموقر، وعلى أن يكون متصلاً مع الأنابيب والخزانات والقنوات ومحطات الضخ الرئيسية ومصادر المياه الأخرى في المحافظات المختلفة لتعزيز المرونة والجاهزية الدائمة.
وسيواجه تنفيذ نظام نقل المياه الوطني الاستراتيجي تحدياً كبيراً لأنه سيقطع مجموعة واسعة من التضاريس والارتفاعات، وهو بحاجة لتنسيق حكومي فعّال من كافة الجهات المعنية التي يتقاطع عملها مع المشروع لتسهيل المتابعة واتخاذ القرارات المتعلقة بكافة المتطلبات الفنية والبيئية والتراخيص والتمويل، مع الأخذ بعين الاعتبار البعد التنموي التشغيلي في المجتمعات المحلية والقرى المجاورة له. ومن هذه المتطلبات إصدار أذونات العمل وتصاريح الأشغال والبلديات في الوقت المحدد، والتنسيقات مع السلطات المحلية، والتعديلات المستمرة على مسار نظام أنابيب نقل المياه، وتوزيع المرافق كخطوط الاتصالات وقنوات التصريف وشبكات الكهرباء، وإجراءات الاستملاكات ودفع التعويضات وإصدار التصاريح البيئية وغيرها. ولعل تأخير الحصول على التصاريح والموافقات الحكومية في وقته كانت من الأسباب الرئيسية التي أدّت إلى المطالبة بالتعويضات المالية الإضافية ضمن قضية التحكيم الخاصة بمشروع جر مياه الديسي عام 2015.
وفيما يتعلق بالتمويل، يمكن استخدام التعهدات التي تم الالتزام بها سابقاً من الدول الداعمة والمانحة والمؤسسات الدولية لصالح الحكومة الأردنية والبالغة لتاريخه حوالي مليار دولار (منح بقيمة 472.2 مليون دولار وقروضاً تنموية بقيمة 694 مليون دولار) لتمويل نظام نقل المياه الوطني الاستراتيجي. وعلى ان يتم طرح عطائه حسب مبادئ الاتحاد الدولي للمهندسين «عقد الكتاب الأصفر» التي يكون فيها المقاول الرئيسي مسؤولاً بالكامل عن تصميم وبناء الخط الناقل، حيث يتميز هذا النوع من العقود بسرعة الانجاز. ولتسريع العمل، يتم تقسيم النظام الناقل إلى عدة مقاطع ويكون مقاول فرعي مسؤولاً عن تنفيذ كل مقطع، وتحت إشراف المقاول الرئيسي. أمّا عن تمويل محطة التحلية في العقبة، فتكون من مسؤولية المطوّرين والشركات العالمية المتخصصة، ويمكن الاستفادة من القروض الاستثمارية بقيمة (1.28 مليار دولار) والتي تعهدت بها الدول الداعمة والمانحة والمؤسسات الدولية، وعلى ان يتم طرح عطاء هذا الجزء حسب مبادئ الشراكة ما بين القطاعين العام والخاص التي يكون فيها المطوّر مسؤولاً بالكامل عن اختيار تكنولوجيا التحلية والتمويل والتصميم والبناء والتشغيل.
ختاماً، يؤكد جلالة الملك عبد الله الثاني على ضرورة التفكير بحلول مبتكرة وسهلة التطبيق لتنفيذ المشاريع الاستراتيجية لتحقيق الأمن المائي بحيث تتجاوز محدودية الفكر في اتخاذ القرار. وعليه يجب إعداد خريطة طريق لتطوير الحلول بالتعاون مع صناّع السياسات ومطورو المشاريع ورؤساء معاهد البحوث الاقليمية والدولية المختصة وكبار المديرين التنفيذيين، وتسليط الضوء على الفرص المستقبلية ومناقشة الحلول المستندة على البيانات، تمهيداً لإعداد استراتيجية وطنية أردنية في مجال مصادر المياه غير التقليدية تستشرف آفاقا وحلولا جديدة ترتكز على ما هو متوفر من معطيات وإمكانيات، مع الاستفادة من الأبحاث المستقبلية والتحالفات الاقليمية ونوافذ الإبداع والابتكار التي تلبي المرحلة الجديدة وتكوّن الحل لمشكلات المستقبل.