ليبيا ما تزال في حاجة إلى بريطانيا

بريطانيون يتظاهرون ضد تدخل بلدهم في ليبيا باسمهم -(أرشيفية)
بريطانيون يتظاهرون ضد تدخل بلدهم في ليبيا باسمهم -(أرشيفية)

ديفيدر ديفيس، وإبراهيم الميت - (الغارديان) 20/3/2012

 ترجمة: عبد الرحمن الحسيني

اضافة اعلان

إحدى المشاكل التي تواجهها السياسة الخارجية الغربية هي أنها تعاني من مسافة انتباه قصيرة. وتماماً كما حدث عندما رفعنا أعيننا عن الكرة في أفغانستان لنتعامل مع العراق، فإننا نواجه الآن خطر فقدان الرؤية في ليبيا عندما يتعلق الأمر بالانتقال إلى التعامل مع المشكلات الماثلة في الشرق الأوسط. وبينما يقاتل الثوار السوريون من أجل التحرر من جبروت وطغيان (الرئيس السوري) بشار الأسد، فإنه يجب علينا عدم نسيان حقيقة أن الانتقال من الدكتاتورية إلى الديمقراطية لم يكتمل بعد في البلدان العربية التي بدأ فيها الربيع العربي.
تستطيع بريطانيا أن تفخر كثيراً بالدور الذي اضطلعت به على صعيد تحرر ليبيا. لكن، وفي الوقت الذي ذهب فيه نظام القذافي، فإن ثمة الكثير مما يبقى أمام الحكومة الجديدة لعمله. وفي بلد ينطوي على فقر هائل تقابله ثروة معدنية ضخمة، يعد الفساد وبشكل محتم، واحداً من أكبر التهديدات.
في هذه الأوقات، لا تعتبر الامارات مشجعة. فالفساد متفشٍ وفي حالة صعود. وبعد وقت قصير من تحرير ليبيا، أنشأت الحكومة المؤقتة صندوقاً لتقديم الرعاية الطبية لأولئك الذين أصيبوا بجروح اثناء القتال لتحرير البلد -سلم مبلغ 800 مليون دولار لأكثر من 40000 شخص، لكن ثمة نسبة تتراوح ما بين 10-15 % من المطالبات هي حقيقية وأصيلة.
ويهدد الفساد والاحتيال أيضاً لجنة محاربي ليبيا التي أسست لدمج المقاتلين المعادين للقذافي في القوات الأمنية الرسمية للبلد. ويعتقد بأن نحو 100000 جندي ثائر قد حاربوا قوات القذافي. ومع ذلك هناك أكثر من 200000 شخص قد تقدموا بطلبات أصلاً للانضمام إلى برنامج إعادة الاندماج، ربما ليضعوا أيديهم على المزايا السخية التي يقدمها. وفي الأثناء، لا توجد ضوابط فعالة قيد العمل لمنع حدوث ذلك.
إلى جانب ذلك، تظل الحالة الأمنية هشة. وفي ظل غياب نظام قضائي عامل، تعمد الميليشيات في الغالب إلى "اعتقال" واحتجاز الناس وفق هواها. وقد سجل التقدم نحو توحيد الخدمات الأمنية بطئاً ملحوظاً، وهناك حالات جدل ونزاع حول الجهة المسؤولة عن الأمن. وراهناً، يسيطر المجلس الوطني الانتقالي الأصلي الذي كان قد أشرف على القتال ضد القذافي على الجيش الليبي، بينما خلقت الحكومة الجديدة "حرساً وطنياً" منفصلاً له قادته الخاصين.
ومع ذلك، ليست ليبيا كلها رهن القدر والأوضاع السيئة. ونظراً لأن ليبيا تحررت، فقد قفز إنتاج النفط بثبات إلى ما يقترب من المستويات التي كان عليها قبل الحرب، والبالغة 1.6 مليون برميل يومياً، مولدة عوائد شهرية ببلايين الدولارات، وموفرة موارد أساسية للتنمية. ولعل المفتاح الأساس لتعافي ليبيا المباشر وازدهارها المستقبلي يكمن في احتياطياتها النفطية المسجلة، والبالغة 18 بليون برميل، أي الاحتياطيات الأضخم في أفريقيا.
لكن الموارد الطبيعية في ليبيا تنطوي على مشاكل بقدر انطوائها على الفرص. ومن الحاسم أن تكون الحكومة الليبية منفتحة حول كمية النفط التي تنتجها، وحجم العوائد التي تتلقاها. وفي أعقاب أعوام من مشاهدة أموال النفط وهي توزع فيما بين المفضلين لدى القذافي، فإن الشفافية الكلية وحدها فقط هي الكفيلة بضمان استفادة المواطنين العاديين من الموارد التي تعود إليهم.
وهذا هو المكان الذي تستطيع فيه بريطانيا أن تقدم المساعدة. فبعد استثمار موارد ضخمة في تحرير ليبيا، نستطيع الآن القيام بعمل يجلب الخير العميم عبر تقاسم حكمة بلدنا المؤسساتية مع ليبيا. فللملكة المتحدة تقليد طويل في ضبط الإنفاق العام للحيلولة دون الفساد والهدر، وفي بذل كل جهد لضمان أن يتم إنفاق كل قرش من أموال دافعي الضرائب تجري المحاسبة عليه. ويتمتع المسؤولون البريطانيون بمكانة فريدة من نوعها لإسداء المشورة للحكومة الليبية، فيما يتعلق بتشكيل نسختها المقابلة لمكتب المراجعة الداخلية الوطنية البريطاني ولجنة الحسابات العامة لمراقبة الإنفاق الحكومي المركزي، ولجنة مراجعة ليبية للإشراف على ميزانيات الحكومات المحلية (البلديات).
 وتقوم هذه المؤسسات بعمل مهم من الناحية الحيوية، حيث تعتبر الحكومة مسؤولة عن الجرد. وفي بريطانيا، استطاعت إماطة اللثام عن الحقيقة المتعلقة بأنظمة الكمبيوتر غير الكفوءة NHS، كما وعن الصفقات الضريبية السرية مع شركات ضخمة، بالإضافة إلى سياسات شراء دفاعية رهيبة ستترك الجنود البريطانيين مفتقرين إلى العربات المدرعة على مدار العقود الثلاثة المقبلة. وكانت هذه مجرد أحدث النشاطات في أكثر من قرن من الرعاية للخدمات العامة، وهي الرعاية التي أعطت لبريطانيا واحداً من أكثر السجلات أمانة في الإدارة العامة في العالم.
وتوازي الثروات الكامنة الضخمة لليبيا رغبة شعبها في التغيير. وفي هذه الدينامية والمؤسسات الديمقراطية العاملة بشكل مناسب، سوية مع حكومة مسؤولة، ستستطيع ليبيا إحراز نجاح دائم في تطوير حريتها الجديدة.


*نشر هذا المقال تحت عنوان:
 Libya still needs Britain

[email protected]