"الغربان غجر السماء" سلسلة من الذكريات يترجمها وليد السويركي

غلاف الكتاب- (الغد)
غلاف الكتاب- (الغد)
عزيزة علي عمان- صدر عن الدار الأهلية للنشر والتوزيع، عمان، النسخة العربية من مذكرات "الغربان غجر السماء- ذكريات- الكساندر رومانِس"، قام بترجمتها من الفرنسية الى العربية المترجم الأردني وليد السويركي. يقول المترجم السويركي، في تقديمه لهذه النصوص "إن تعلم رومانس القراءة والكتابة في سن العشرين كان لديه ما يقول، وبتشجيع من الكاتبين الكبيرين "جان جينيه، جان غروجان"، وبدأ يكتب وهو في الخامسة والأربعين قصائده وحكاياته الغجرية. وتولى الشاعر كريستيان بوبان نشرها تباعاً في ثلاث مجموعات صدرت عن دار "غاليمار الباريسية العريقة، فلاقت استحسانًا نقديا وجماهيريا كبيرا، بفضل بساطتها المدهشة، وصدق نبرتها، وتكثيفها اللغوي، وخصوصية الرؤية التي تصدر عنها. ويبين السويركي أن رومانس، الذي أنشأ بالقرب من باريس أول سيرك غجري في أوروبا، وما يزال يعيش في كرافان متنقل "لماذا التوطن مادام كل ما في الوجود يتحرك؟ كما يقول"، يكتب قصائده ويدون حكايات أهله الغجر من دون ادعاء صفة "الشاعر"، ويحيا حياته "شعريا"، بصورة عفوية. يكتب ليقول ألمه، وغضبه، وحبه، ويطرح أسئلته الوجودية، من دون أن يفارقه الشعور بالذنب: "لستَ سوى غجري!/هذا ما يعتقدونه،/ربما ما كان علي أن أكتب أبدًا،/لقد خنت؛ كان عندي الكثير مما أود قوله،/والآن أطلب الصفح من أبي وأمي/ومن عِرقي كله". ويشير المترجم إلى أن رومانس في "الغربان غجر السماء"، يروي عبر سلسلة من الذكريات، رحلة حياة فريدة ومدهشة، تبدو كأنها عدة حيوات في واحدة، لا تقل إحداها عن الأخرى جنوناً وثراءً وشاعرية. إنها رحلة شاعر انتقل من ترويض النمور والأسود في سيرك واحدة من أغنى عائلات السيرك وأشهرها في أوروبا، إلى ترويض الكلمات في القصائد، بعد أن هجر العائلة واختار، في العشرين من عمره، حرية الشارع وحياة الترحال، وفاءً لثقافة شعبه ورفضاً لقيم الحياة المادية والاستهلاكية. خلال هذه الرحلة، قادت يد القدر الفتى الأمي إلى لقاءات وصداقات وتجارب غيرت مسار حياته. بات شاعراً بارزاً. وينوه السويركي إلى أن كتب رومانس الآن تصدر عن أعرق دور النشر الفرنسية، ويحظى بتقدير شعراء وكتاب من طراز جان غروجان وكريستيان بوبان وليدي داتاس، ويحوز الجوائز والأوسمة، وصوتاً متمرداً يدافع عن حقوق شعبه وغيره من الأقليات في فرنسا، ويفضح الممارسات العنصرية (في مقابلة مع التلفزيون الفرنسي، بدأ الصحفي بداية قوية جدا: "أنتم الغجر، كلكم لصوص". سألته: إن كان فرنسيا؟، فأجابني بنعم. فقلت له: "أنتم الفرنسيون سرقتم نصف إفريقيا، والغريب أنه لا يقال أبدًا: إنكم لصوص". ولا يتردد في مهاجمة تحالف السلطة والمال، والهيمنة على وسائل الإعلام مستشهداً بمثال جان جينيه الذي رفض طيلة حياته الظهور في مقابلات على القنوات الفرنسية لتيقنه من أنه لن يستطيع أن يعبر عن آرائه بحرية). ويرى المترجم أن رومانس يكتب ذكرياته وكأنه يحكيها بعفوية حارة وخفة آسرة، بلا حذلقات لغوية أو ادعاءات معرفية، ذاهباً إلى الجوهري مباشرة، في نثر شذري مدهش ومربك، مرح ومؤلم في آن، مثل حياة صاحبه الصاخبة الملونة، فينجح في نقل حرارة التجربة وفرادتها بروح من الدعابة والسخرية، إنها ذكريات رجل تحكم عالمه قيمتان هما الحرية والجمال: "لقد قسمت العالم إلى نصفين-ما هو شعري في جهة/ وما ليس كذلك في الجهة الأخرى،/ ما هو شعري موجود في نظري،/ وما ليس شعرياً لا ألتفت إليه حتى". وخلص السويركي إلى أن رومانس يفضل "الوردة على الوطن"، "الطائر اللامبالي فوق الصخرة، إذ يرمي بنفسه في الفراغ"، إنه رجل لم يجلس يوماً إلى طاولة كي يكتب نصوصه، ورفض دائماً بعنادٍ أن يوسع خيمة سيركه الناجح كي لا يصبح ثرياً،" فالإثراء ليس من قيم الغجر"، واشترط لقبول وسام جوقة الشرف الذي منحته إياه وزارة الثقافة الفرنسية أن يتسلمه في خيمة السيرك بين عائلته وجمهوره؛ رجل رفض أن يرسل أطفاله إلى المدرسة بصيغتها القائمة التي يراها أقرب إلى السجن "حين يذهب أطفالكم إلى المدارس مبتهجين وهم يغنون، سنرسل أطفالنا إليها"، وسجن في كل بلد حل فيها، وخاض المعارك والمشاجرات وما زالت الندوب وآثار الطعنات ماثلة على جسده؛ رجل دعا الله حين دخل المشفى ذات يوم حاملاً ابنته بين ذراعيه،: "يا إلهي نجّها! لا تجبرني على أن أصبح أعظم الشعراء".اضافة اعلان