"قناع بلون السماء".. سردية الأسير خندقجي برفض الإغراق في اجترار الوجع

قناع بلون السماء.. سردية الأسير خندقجي برفض الإغراق في اجترار الوجع
"قناع بلون السماء".. سردية الأسير خندقجي برفض الإغراق في اجترار الوجع
عمان- تمثل رواية "قناع بلون السماء"، للأسير الفلسطيني المحكوم بثلاثة مؤبدات في سجون الاحتلال الصهيوني الكاتب والروائي "باسم خندقجي"، والتي فازت بالجائزة العالمية للرواية العربية (البوكر الروائي) محاولة لإعلان الكاتب "الحب والصداقة كهوية للإنسان فوق كل الانتماءات". اضافة اعلان
في بيان للجائزة في دورتها السابعة عشرة للعام 2024، يقول رئيس لجنة التحكيم الروائي والكاتب والناقد السوري نبيل سليمان إن الرواية "تجول في عوالم يتقاطع فيها الحاضر مع الماضي في محاولات من الكشف الذي ترتطم به الأنا بالآخر. كلاهما من المعذبين في الأرض، إلّا أن أحدهما هو ضحية الآخر. في هذه العلاقة، تصبح النكبة الفلسطينية نصبا تذكاريا بصفتها أثرا من آثار كارثة إنسانية لا علاقة للضحية فيها. في نهاية المطاف، ينزاح قناع البطل بفعل سماء حيفاوية، لتطل من خلالها مريم المجدلية التي طفق البطل يبحث عنها؛ ليحرّرها من براثن دان براون في روايته شيفرة دافنشي. تحفر رواية باسم خندقجي في أعماق الأرض؛ لتستنطق طبقاتها مفصحة عن سرديتها بلغة عربية صافية تجافي التكلّف وترفض الإغراق في اجترار الوجع".
والقناع هو إشارة إلى "الهوية الزرقاء"، التي يمنحها الاحتلال إلى "سكان العاصمة الفلسطينية القدس"، والتي يجدها نور، وهو عالم آثار مقيم في مخيم في رام الله، في جيب معطف قديم، صاحبها إسرائيلي، فيرتدي نور هذا القناع، وهكذا تبدأ رحلة الرواية السردية. رواية متعددة الطبقات يميزها بناء الشخصيات، والتجريب واسترجاع التاريخ وذاكرة الأماكن.  
وتم اختيار الرواية الفائزة من بين مائة وثلاثة وثلاثين رواية ترشحت للجائزة لهذه الدورة، باعتبارها أفضل رواية نشرت بين يوليو 2022 ويونيو 2023، وتسلم الجائزة بالإنابة عن الكاتب باسم خندقجي، شقيقه باسم يوسف خندقجي، والناشرة رنا إدريس، صاحبة دار الآداب.
"الغد" تواصلت مع شقيق الأسير "باسم"، صاحب مكتبة العم صالح في نابلس، نضال صالح خندقجي. الذي أرسل فيديو لكلمة شقيقه يوسف خندقجي الذي ألقى بعد الإعلان عن فوز الرواية كلمة، تحدث فيها عن معاناة الأسرى في سجون الاحتلال وكيف وصلت رواية باسم لهم، "احتاجت الرواية وقتا كبيرا للتجميع والتدقيق، فقد وصلت لنا مجزأة وأخذنا وقتا في جمعها، ثم قمنا بإرسالها إلى دار الآداب لنشرها ضمن مشروع باسم الروائي الذي يحمل اسم "ثلاثية المرايا"، ويتكون من ثلاث روايات: الأولى "قناع بلون السماء" والثانية "سادن المحرقة"، والأخيرة "شياطين مريم الجليلية".
وأضاف خندقجي، "أن باسم تعرض لحملة تحريض شرسة من الاحتلال الإسرائيلي بعد الإعلان عن وصول روايته للقائمة القصيرة للجائزة، فقد تعرض للعزل ودفع غرامة مالية، والآن لا اعرف شيئا عنه"، مبينا أنه بعد طوفان الأقصى (7 أكتوبر)، أصبح وضع السجناء أكثر صعوبة، وباسم يقبع في سجون الاحتلال مع ما يقارب من "9 آلاف و500 أسير فلسطيني".
وقال خندقجي إن رواية "قناع بلون السماء" لا تندرج ضمن "أدب السجون"، وفق ما قاله شقيقي باسم الذي قال لي "لا استطيع أن أكتب عن مكان أنا أعيش فيه"، فقد أصدر قبل هذه الرواية رواية عن مكان لم يعش فيه، فعنصر التقيد في الروايات دائما يلعب دورا، أما هذه الرواية فهي رواية واقعية، فهي لا تتحدث عن الحياة في القدس رغم ان باسم يعشق القدس.
وأوضح نضال أن شقيقه باسم محمد صالح أديب خندقجي المولود في العام 1983، درس في مدارس محافظة نابلس. والتحق بعدها بجامعة النجاح الوطنية للدراسة في قسم الصحافة والإعلام. عاصر جنون وقسوة الاحتلال الإسرائيلي خلال الانتفاضة الأولى. وأثرت هذه الأحداث على توجهاته السياسية والتحق بصفوف حزب الشعب الفلسطيني الشيوعي سابقا وكان عمره آنذاك 15 عاما. وكان من الناشطين هو ومجموعة من رفاقه في داخل المدرسة.
اعتقل باسم في نوفمبر 2004 عندما كان في سنته الجامعية الأخيرة على يد قوات الاحتلال بعد عملية سوق الكرمل، والتي أدّت إلى مقتل 3 إسرائيليين وجرح أكثر من 50 إسرائيليًا، رغم أن باسم لم يقم بأيّ نشاط عسكري خلال العملية. حُكِم عليه في 7 تموز/ يونيو 2005 بثلاثة مؤبّدات وفي شهادة الصليب الأحمر الدولي أنه محكوم مدى الحياة. بالإضافة إلى اتهامه بالمشاركة في "عملية سوق الكرمل"، طالبته السلطات الإسرائيلية بتعويض عائلات قتلى العملية بمبلغ 11.6 مليون دولار. الأسير باسم اليوم في الخامسة والثلاثين من عمره، أمضى منها 15 سنة في سجون الاحتلال ويقبع حاليًا في سجن "هيداريم".
بدأ باسم رحلة الكتابة داخل السجن من خلال كتابته (مسودات عاشق وطن) وهي عبارة عن 10 مقالات تحكي عن الهم الفلسطيني (وهكذا تحتضر الإنسانية) وهي عبارة عن تجربة الأسير الفلسطيني داخل السجون وهمه اليومي. وأيضا من كتابته ديوان شعر بعنوان (طرق على جدران المكان) و (شبق الورد أكليل العدم) وأيضاً دراسة عن المرأة الفلسطينية، وكتاب (أنا الإنسان نداء من الغربة الحديدية) وكتب روايات: "مسك الكفاية: سيرة سيدة الظلال الحرة"، "نرجس العزلة".
وفي كلمة على غلاف الرواية يقول فيها خندقجي عن بطل روايته "نور عالم آثار يقيم في مخيم في رام الله. ذات يوم يجد هوية زرقاء في جيب معطف قديم. فيرتدي قناع المُحتل في محاولة لفهم مفردات العقل الصهيوني. في تحوُل (نور)، إلى (أور)، وفي انضمامه إلى بعثة تنقيب إحدى المستوطنات، تتجلى فلسطين المطمورة تحت التربة بكل تاريخها. الجديد. بين الهوية الزرقاء والتصريح. بين السردية الأصلية المهمشة والسردية المختلفة السائدة. هل سينجح نور في إلقاء القناع والقضاء على أور عله يصل إلى النور؟".
يقدم خندقجي في بداية الرواية خالص الشكر والتقدير: "من أخوة ورفاق الأسر من أبناء القدس الأبية الذين أحاطوني بالرعاية والاهتمام والمعلومات.."
وكتبت الناقدة صباح بشير في ورقة مقدّمة إلى نادي حيفا الثّقافي في فلسطين، بعنوان "خطاب الحقيقة والهويّة في رواية (قناع بلون السّماء)"، تشير فيها إلى أن: باسم خندقجي يتابع مسيرته الأدبيّة، منتصرا لذاته عبر الكتابة، ملاحقا شغفه بثقة سرديّة ولغة بيّنة، مستلهما غزارة معلوماته وقراءاته المستفيضة للنتاجات الأدبيّة، والصّور المحفوظة في ذاكرته ووجدانه، مشيرة إلى أحداث الرواية التي يجري جزء منها "بين رام الله والقدس، ومستوطنة مشمارهعيمق"، ويتولى روايتها راوٍ عليم كليّ المعرفة والإدراك، يتنقّل بحريّة بين الأزمنة والأمكنة؛ ليدخل عقول شخوصه ويكشف أسرارها وخباياها، ويغوص في أعماقها وعالمها الدّاخليّ.
وتضيف بشير إلى أن الأحداث تدور حول شخصيّة الشّاب الثّلاثينيّ نور ابن المخيّم، وهو شاب أشقر اللّون بعينين زرقاوين، يتحدّث العبريّة والإنجليزيّة بطلاقة، يعتقل والده قبل ولادته، وتتوفّى أمّه بعد ذلك، فيعاني الفقد وصمت الأب ووجعا للّجوء في المخيّم. هو باحث مختصّ في التّاريخ والآثار، يعمل مرشدا سياحيّا في أحد المواقع الأثريّة في القدس، يمسّه شغف الأرض وبوحها السرّي، فيتّخذ منها شاهدا عليه وعلى قلمه، وإيمانا منه بأهمّية إثبات التّاريخ وإبراز دوره في الحفاظ على الهوية، ودحض التّضليل في رواية الآخر، يقرّر الشروع في كتابة بحث تاريخيّ، يتناول فيه سيرة مريم المجدلية، التي اصطفاها السيد المسيح بحسب المصادر التّاريخية، ومنحها ثقته وتعاليمه السّريّة".
تزيد بشير، بعد ذلك بفترة وبالصدفة البحتة، يعثر على بطاقة هوية زرقاء بمعطَف جلديّ، اشتراه من سوق الملابس المستعملة في يافا، حين كان يمشي متأمّلا بعض التّحف القديمة واللّوحات الفنيّة المعروضة، يقع اختياره على معطف جلديّ أنيق، يهرع نحوه ويشتريه، وينطلق مغادرا مرتديا إيّاه بفرح، وما أن وضع يده في جيبه الدّاخليّ، حتى تعثّر ببطاقة هوية، غفل عنها صاحبها إثر بيعه للمعطف، يفتحها مطّلعا على بيانات صاحبها وصورته، فإذا بصورة شاب وسيم يحمل اسم "أور شابيرا"، هاله الاسم العبريّ "أور"، بمعناه نور، فعَلَت وجهه ابتسامة، أعاد البطاقة إلى جيب المعطف، وقَفَلَ عائدا أدراجه إلى المخيّم".
ينقلنا الكاتب لمشاهد تمثيليّة تصويريّة، فيروي لنا واقعا معيشا في القدس بطريقته الخاصّة، تلك التي وصل إليها نور فوجدها تشتعل، يتصاعد التّوتر فيها بعد الإعلان عن إخلاء العائلات المقدسيّة من بيوتها في حيّ الشيخ جرّاح، وهنا كفي شوارعها وطرقاتها وحجارتها العتيقة، تتعربش أحلامه وآماله على المجهول القادم، فيطلق القلب فراشات في عالم يختلط فيه كلّ شيء، الرّهبة والشّوق والحزن والجمال والابتهال والصلاة، وكلّ التّناقضات التي تشكّل قلب المدينة النّابض. ثمّة علاقة عشق جمعته بالقدس، فقد كان يتنسّمها لتنحلّ عنه مشاعر الاغتراب والاستلاب، فيحلّق في فضائها مزهوا بها. كانت وحدها من تعطف عليه وتحميه في بيوتها العتيقة في أحلكِ الظّروف.