التطرف الفكري والبرمجة العاطفية: كيف ننظر لأحداث فرنسا؟

م. رلى الكيلاني* أي إنسان قارئ متفتح غير متعنت يقرأ في الحضارات يمكنه أن يتعلم الكثير من عبقرية نبينا الكريم محمد عليه أشرف التسليم! لست بصدد الدفاع عن شخصه ورسالته، فهي رسالة سماوية يحميها خالقها.. لكنني أرفض أن أقف موقفاً دفاعياً لأنه صلى الله عليه وسلم لن يكون ضحية لما يعاني منه زماننا من جهل!! جهل جعلنا نهجر الحكمة الإنسانية ونتشبث بقشور الحضارة والتكنولوجيا الواهية التي شوهت بأيديها الشيطانية النفسيات كما القلوب والعقول. جهل تغذى بموجاته الغرورة على ردات الفعل غير الواعية ليتحكم بنا «بالروموت كونترول» عن بعد، جهل صدع بمؤثرات العاطفة والثأر ليصل إلى مكاتب الرئاسة في دول العالم المتقدمة (كما يحبون وصف أنفسهم)...ما يعنيني اليوم هو العقلية التي نتعامل بها نحن المسلمين مع طريقة ماكرون غير الناضجة التي استفزت الملايين في أحداث فرنسا الأخيرة. لفتني أمران: 1 - تركيز عموم وسائل الإعلام العربية في أول يومين من الحادثة على ردة الفعل الرسمية الفرنسية من إغلاق للمساجد واعتقالات للمسلمين، عنصرية، عنجهية استعمارية، تأجيج للكراهية وإصرار على ترويج الصور المسيئة.. وتجاهل الخضة الحقيقية وراء الانفجار غير الكوروني، اللاجئ ذي 18 عاما الذي أقدم على ذبح أستاذ فرنسي وقطع رأسه لعرضه الصور المسيئة أمام طلابه في المدرسة، ما أثار سخط الأهل على السوشال ميديا، ودفع الشاب إلى ذبح الأستاذ في العاصمة باريس الجمعة الماضية. خضة هزت الشارع الفرنسي الذي فتح أبوابه للجوء الفكر التطرفي الذي عانى أهل سورية والعراق من شيطنته سابقاً، فكانت الصدمة التي أججت مخاوف الإرهاب الكامنة. 2 - استجابة الصغير والكبير (علما، عمرا أو مقاما) بذات الانفعالية الصرفة دفاعا عن رمز عقيدتنا وهويتنا، فيديوهات صارخة منددة أو مهددة بغضب يشتعل من ضعف مقيت آل إليه حالنا. ما أراه إيجابياً في هذا المقام، هو القوة المخيفة في قلوب الشعوب العربية والإسلامية لأن عاطفتها وحبها صادق، بالرغم من كل ما مورس عليها من برمجة الضعف والمصائب! فهل نعي بوجود هذه القوة؟ كيف لنا أن تتعامل مع شيء لا نعي بوجوده! لا أجد فينا وعيا كافيا يرفعنا بما في قلوبنا من عاطفة قوية بشكل يليق بعمق إرثنا الحضاري والروحاني.. نمقت ما قيل، ونقهر أنفسنا أكثر كلما أججت الميديا الشيطانية فينا الضعف ممن يكرهنا ويمارس علينا القمع... من المهم أن ندرك بأنه لا أحد يستطيع أن يجعل منك ضحية إن لم تسمح له أنت بذلك! ما تناقشه اليوم كل أسرة بسيطة هو برمجة للضعف والكراهية يأخذنا دون وعي إلى طريق التطرف الفكري ذاته، الذي برمج الشاب الإرهابي وتلاعب به ليذبح الأستاذ وهو يظن أنه يقوم بواجبه. متى كانت الأديان السماوية تشجع الناس على الكراهية وإنهاء حياة الناس بيدك؟ علينا أن نتنبه إلى حقيقتين: - قرارات ماكرون والقيادة الفرنسية تعبر عنهم وليس عنك! بمعنى أن تعنتهم غير الواعي يسير بهم نحو ذات التطرف الفكري، ولنسمي الأشياء بمسمياتها... كلا الطرفين يسيران بنفس الاتجاه، أحدهم يقول إنه يدافع عن دينه فيظلم، والآخر يقول إنه يدافع عن حرية الرأي والسيادة على أرضه وهو يظلم كذلك... والظلم ظلام. - يحق لنا أن نرفض ونعبر عن غضبنا، ولكن بأسلوب بناء لا يزرع الضعف والكراهية في النفس، وذلك يتطلب منا آباء وأمهات أن ندير عاطفتنا الصادقة بذكاء. انفعالنا وزرع الكراهية سيربي جيلا يسهل انقياده وراء الشعارات وليس وراء فطرة قلبه السليمة. لنتيح المجال للحكماء في التصرف، ولندرس ما أنجزته مقاطعة المنتجات الفرنسية التي أشعرت الشخص العادي بأنه ليس ضعيفاً وبأن سلوكه الواعي أجبر السلطات الفرنسية على إعادة النظر في التصعيد. هناك دائما حلول أذكى، فانتبه ألا تتبنى شرور الآخرين وتصبح أنت ردة فعل، أمعن النظر في ما هو خير أو شر، وتأكد أن ما بداخلك من حب مصدره طاقة الحب الودود العظيم، هو سيلهمك لتضبط انفعالك بعيدا عن كبسة الزر المؤججة للتطرف. ولتؤثر فيمن حولك بوعي، ابحث عن راحة النفس لتعكس بأفعالك خلق نبينا الكريم وتثقف العالم بحقيقة العبقري الذي أرسله الله ليتمم مكارم الأخلاق! * مستشارة تطوير الذات والوعي العاطفياضافة اعلان