الطاقة الخضراء.. كيف تزيد دوران عجلة النمو الاقتصادي؟

عبدالرحمن الخوالدة

لطالما وقفت محدودية الثروات الطبيعية كالنفط والغاز الطبيعي عائقا في طريق الاقتصاد الأردني نحو تحقيق نمو اقتصادي مثمر ومستدام حيث تفرض دائما تقلبات أسعار الطاقة وتكاليف استيرادها نفسها على القطاعات الاقتصادية المختلفة مكبدةً إياها كلفا عالية.

الفرصة اليوم تبدو مواتية لتخفف أعباء الاقتصاد الوطني من حمل الطاقة التقليدية الثقيل والمضي نحو التحول إلى الطاقة البديلة، فإذا ما تم استغلال هذه الهبات الطبيعية سيتحقق تسارع في عجلة النمو الاقتصادي وخاصة على المدى الطويل لتتفوق على نسبة النمو السائدة ما سيساعد أيضا في المساهمة على الحد من معدلات البطالة والفقر. ونما الناتج المحلي الإجمالي بأسعار السوق الثابتة بنسبة 2.6 % خلال الربع الثالث من العام 2022، مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي. ورغم الجهود والمبادرات والاستراتيجيات التي تبنتها الحكومات المتعاقبة نحو التحول إلى الطاقة الخضراء إلا أنها تبدو بطيئة ومتواضعة مقارنة مع تجارب العديد من الدول التي استفادت من هذا النوع من الاقتصاد، وفي ظل الأوضاع الاقتصادية الضاغطة التي يعيشها الأردن تبدو الحاجة ملحة لتسريع الجهود نحو الطاقة البديلة. وبين خبراء في مجال الطاقة أن الاردن وضع خططا واستراتيجات نحو التحول إلى الطاقة البديلة وخطى بعض الخطوات الجيدة في هذا المضمار لكن الحماس لها تراجع خلال السنوات الاخيرة ولم يتم ترجمتها على أرض الواقع بشكل كامل. يشار إلى أن رؤية التحديث الاقتصادي تستهدف تحويل الأردن إلى دولة رائدة في مجال الطاقة المتجددة على مستوى المنطقة. واعتبر الخبراء أن الأردن يعد من أفضل المناطق في العالم لإنتاج الطاقة البديلة لاسيما في جنوب المملكة حيث السطوع الشمسي المثالي ودرجات الحرارة المعتدلة لإنتاج الطاقة الشمسية ما يجعل الاردن من المناطق الزاخرة بالفرص الاقتصادية في مجال الطاقة البديلة. ودعا هؤلاء إلى ضرورة التركيز على الهيدروجين الذي يعد أحد أهم مصادر الطاقة البديلة في هذا العصر والذي ينظر اليه كمفتاح للانتقال إلى الطاقة الخضراء وللاستغناء عن الوقود الاحفوري إضافة إلى وجوب تشجيع الشركات على الاستثمار به والعمل على جعل الاردن نواة للمشاريع الكبيرة في هذا المجال على مستوى المنطقة. وكان رئيس الوزراء بشر الخصاونة قد كشف خلال مقابلة تلفزيونية على هامش أعمال منتدى دافوس بأن الاردن يتوجه إلى إنتاج الهيدروجين الأخضر والامونيا وعن وجود شركة عالمية تبحث عن إنتاجه في جنوب المملكة. وحذر الخبراء من العوائق التي تواجه تحول الأردن إلى الطاقة البديلة والاقتصاد الأخضر بشكل عام والاستفادة من فرصه الزاخرة ومنها تداخل الصلاحيات الممنوحة لكل جهة معنية بملف الاقتصاد الأخضر ومسؤوليات كل منها إضافة إلى تعدد المرجعيات التي تستند عليها الخطط والاستراتجيات الخاصة بهذا التحول إضافة إلى النقص المعرفي والقدرات الفنية لدى العاملين في مجال الطاقة البديلة. ويذكر أن الأردن كان قد اطلق عام 2017 الخطة الوطنية للنمو الأخضر والتي تبنت التحول نحو الاقتصاد الأخضر من خلال العمل على تطوير برامج خاصة لقطاعات الطاقة والمياه والنفايات والزراعة والنقل والسياحة. وزير الطاقة والثروة المعدنية الأسبق خالد الإيراني أكد أن الاردن خطى مبكرا خطوات جيدة نحو الاقتصاد الأخضر وتحديدا في مجال الاستفادة من الطاقة البديلة (الشمسية والرياح والهيدروجين) وتمكن من تحقيق بعض المستهدفات كالوصول إلى مساهمة الطاقة البديلة في إنتاج 29 % من إجمالي إنتاج الكهرباء في الأردن لكن في السنوات الاخيرة تراجع الحماس تجاه هذه الطاقة ولم تشجع السياسات الخاصة بالطاقة المتجددة الاستثمارات والشركات على الانخراط بشكل جدي في هذا المجال. وبين الإيراني أن رؤية التحديث الاقتصادي وضعت الاقتصاد الأخضر في قلب اهتماماتها وربطت فرص الاستثمار به بأولويات الاستثمار الوطنية وتستهدف تحويل المملكة إلى دولة رائدة في المنطقة في مجال الطاقة المتجددة. ويأتي قطاع الطاقة في رؤية التحديث الاقتصادي ضمن محرّك الموارد المستدامة، الذي يهدف إلى تحسين استخدام الموارد الطبيعيّة في الأردنّ واستدامتها، وتضمَّن البرنامج التَّنفيذي للرؤية 13 مبادرة، و54 أولويَّة بكُلفة إجماليَّة تصل إلى 688 مليون دينار، منها 202 مليون دينار خلال عام 2023، ومن أبرزها تنفيذ خطة الاستدامة المالية لقطاع الكهرباء، وإطلاق خريطة طريق لاستخدام وإنتاج الهيدروجين بما في ذلك التشريعات المتعلقة بذلك، وتركيب أنظمة الخلايا الشمسية للبلديات، ومراجعة آلية تسعير مشتقات البترول للانتقال إلى السقوف السعرية، وتزويد المدن الصناعية بالغاز الطبيعي، ودراسة لتحديد خيارات تخزين الطاقة الكهربائية المتجددة، وتنفيذ مشاريع الربط الكهربائي الإقليمية. وأوضح أن العالم اليوم بات أمام الثورة الكهربائية الرابعة التي سيتحول كل شيء فيها إلى الاعتماد على الكهرباء من سيارات وتكنولوجيا وستكون الشبكات الكهربائية الذكية هي السائدة ما يعني ضرورة البدء بالتأسيس لذلك واستهداف الوصول بأسرع وقت إلى ما نسبته 50 – 60 % في إنتاج الكهرباء من الطاقة البديلة والعمل على إدخال العدادات الكهربائية الذكية. وتتضمن استراتيجية الطاقة الحالية بخصوص خليط الطاقة رفع مساهمة الطاقة المتجددة من 21 % في عام 2020 الى 31 % في 2030. كما تتضمن تخفيض نسبة مساهمة المشتقات النفطية في توليد الكهرباء من 3 % العام الحالي، إلى 1 % في العام 2030. وتخفيض مساهمة الغاز الطبيعي من 61 % العام الحالي إلى 53 % في عام 2030. وبقاء مساهمة الصخر الزيتي في توليد الطاقة الكهربائية بحدود 15 %. ولفت الإيراني إلى أهمية التركيز على الهيدروجين الذي يعد أحد اكثر المصادر الطبيعية النظيفة أهمية خلال الفترة القادمة داعيا إلى وجوب تشجع الشركات على الاستثمار به والعمل على جعل الاردن نواة للمشاريع الكبيرة في هذا المجال على مستوى المنطقة إضافة إلى ضرورة تجهيز الكوادر الوطنية المؤهلة والمدربة في مجال الطاقة البديلة. من جانبه، أوضح الخبير في مجال الطاقة عامر الشوبكي أن هناك سعيا أردني واضح للاحق بركب قطاع الطاقة المتجددة وان يكون مركز جذب على مستوى المنطقة وهذا بحاجة إلى التغلب على الكثير من التحديات التمويلية والبشرية لبلوغ هذا المسعى. وأكد الشوبكي أن الأردن يعد من أفضل المناطق في العالم لإنتاج الطاقة البديلة لاسيما في جنوب المملكة حيث السطوع الشمسي المثالي ودرجات الحرارة المعتدلة لإنتاج الطاقة الشمسية بدرجات كبيرة خاصة وان هناك مساحة شاسعة دون سكان في الجنوب وهذا يجعل الأردن من المناطق الزاخرة بالفرص الاقتصادية في مجال الطاقة البديلة ما يستدعي ضرورة استغلال هذه الميزة الطبيعية. ونوه إلى أن الاردن من البيئات الخصبة لإحدى مصادر الطاقات البديلة الأهم لهذا العصر والمتمثل بالهيدروجين الأخضر والذي ينظر اليه كمفتاح للانتقال إلى الطاقة الخضراء وللاستغناء عن الوقود الاحفوري ومفتاح أيضا للقطاعات الصناعية مثل مصانع الاسمدة والحديد كما أن هذا النوع من الهيدروجين شكل حلا لمشكلة عملية تخزين الطاقة المتجددة التي كانت تحتاج إلى بطاريات مرتفعة الثمن حيث يتم تحويل هذه الطاقة إلى هيدروجين ثم إلى آمونيا وتخزينها واستخدامها. ويرى الشوبكي أن إنتاج الهيدروجين الأخضر محليا من الطاقة البديلة والذي كثر الحديث عنه مؤخرا سيشكل فرصة لتخفيف كلف الكهرباء على كافة القطاعات وسيفتح للأردن نافذة تصديرة ثمينة ستنعكس بالإيجاب على الاقتصاد الوطني إلا أن كلف إنتاج الهيدروجين الأخضر تبدو مرتفعة بأربعة أضعاف عن بقية انواع الهيدروجين الذي يتم إنتاجه من الطاقة البديلة لكن سيتم التغلب على هذه الكلف مع التقدم التكنولوجي المتسارع. وشدد الشوبكي على أن إنتاج الهيدروجين الأخضر والامونيا يحتاج إلى إمكانات تمويلية عالية وشراكات دولية قوية إضافة إلى التغلب على الضعف المعرفي والفني والخبرات لدينا في مجال الطاقة البديلة وخاصة فيما يتعلق في إنتاج هذا النوع من الهيدروجين علاوة على وجود بنية تحتية مخصصة لنقل هذا الهيدروجين. بدورها، قالت الباحثة في مركز الفينيق للدراسات الاقتصادية والمختصة في الاقتصاد الأخضر سارة القضاة إنه وعلى الرغم من وجود الاستراتيجيات والخطط الحكومية المتعلقة بالاقتصاد الأخضر الا ان هناك ضعفا في ترجمة هذه الخطط على أرض الواقع، مبينة أننا في الأردن لدينا فرص وقدرات كبيرة في مجال الطاقات البديلة خاصة في الطاقة الشمسية التي تسطع في أغلب فترات السنة في أكثر من 300 يوم إذ يمكن تسخير هذه الطاقة الشمسية في تغطية حاجات القطاعات الاقتصادية المختلفة ما سيسهم في تحريك عجلتها الاقتصادية. واعتبرت القضاة أن هناك قطاعات حيوية عدة كالمياه والطاقة والنقل والزراعة والنفايات والسياحة يمكن تسخيرها في مجال الاقتصاد الأخضر لخلق المزيد من فرص العمل وتنمية الاقتصاد الوطني. وأشارت القضاة إلى بعض العوائق التي تواجه تحول الأردن إلى الاقتصاد الأخضر والاستفادة من فرصه الزاخرة ومنها تداخل الصلاحيات الممنوحة لكل جهة معنية بملف الاقتصاد الأخضر ومسؤوليات كل منها إضافة إلى تعدد المرجعيات التي تستند إليها هذه الخطط والاستراتيجيات بما فيها الخطط الداخلية لكل منها ما جعلها في وضعية متنافسة بدلا من أن تكون متكاملة إلى جانب القصور في تنفيذ آليات وإجراءات هذه الخطط.

اقرأ المزيد : 

اضافة اعلان