الفساد يشل ميناء عدن

كلما وقفت على حال اي مدينة عربية على امتداد الجغرافيا المستباحة في عالمنا الثالث أتساءل مجددا لماذا تأخر الربيع العربي كل هذه السنوات والعقود حتى وصلنا في العام 2011 .اضافة اعلان
في ميناء المعلا بمدينة عدن جنوب اليمن تواصل الغربان النعيق فوق روافع آلياته دون ان يبدد صوتها صخب العمل والمحركات والمناولة، اذ يسود صمت طويل مضى عليه اربع سنوات، بينما يرتهن عمال الميناء الى عشبة القات يلوكون بها ساعات وساعات وهم ينتظرون الفرج ولا اجابات لديهم عن اسئلة الجوع والعوز التي تستمر من اطفالهم.
الميناء بناه المستعمرون الانجليز قبل خمسة عقود ونصف العقد ولا يد للانظمة التي تعاقبت على حكم اليمن في سمعة الميناء التي ظلت كبيرة على المستوى الدولي، وكان يعتبر واحدا من اهم الموانئ الطبيعية على مستوى العالم؛ فالجبال تحيط به من كل جانب ولا اثر سلبيا  للتيارات البحرية العالية في مسارات السفن القادمة اليه، كما ان عمقه ثابت  اضافة الى وجوده ضمن موقع استراتيجي للملاحة ونقل البضائع، وهو ما يجعله منافسا اذ تم تصنيفه كثاني اهم ميناء في العالم بعد نيويورك لتزويد السفن بالوقود.
هذا الكلام الجميل عن الميناء لا رصيد له اليوم على ارض الميناء، فالعمل فيه شبه مشلول باستثناء بعض بواخر القمح التي تصل بشكل اعتيادي، والعاملون فيه يضربون كفا بكف بانتظار حل يسهم في تغيير ايقاع حياتهم شديدة الفقر، اما الآليات التي كانت تشغل الميناء فلقد امست اطلالا ولحق بها الصدأ منذ اربع سنوات واسدلت الستارة على مشهد الحياة في الميناء بعد توقيع نظام علي عبدالله صالح على صفقة بيع الميناء التاريخي عبر تأسيس شركة مشتركة بين "موانئ دبي العالمية ومؤسسة خليج عدن اليمنية الحكومية تتولى تطوير وتشغيل ميناء الحاويات في عدن".
الصفقة التي توقفت في العام 2005 ووقعت في العام 2008 جاءت بموافقة مباشرة من الرئيس اليمني السابق صالح، وتكشف المعلومات أن توقيعه هذا جاء بعد ان ضمن نصيبه ونصيب خاله علي مقصع كشريك اساسي في الشركة الوليدة.
طبعا لم يتم التطوير ولا يوجد حاويات ولا ما يحزنون. وباعتبار ان ميناء عدن كان منافسا لميناء دبي، فإن ما انتهى اليه الميناء بعد سيطرة "موانئ دبي" كان الشلل لعدن ومينائها وعمالها والحركة الاقتصادية منها واليها، وذهبت ملايين الدولارات وربما البلايين الى جيوب من وقع الصفقة، لينتقل ميناء عدن من تنافسيته وسمعته العالمية ايام المستعمر البريطاني قبل اكثر من نصف قرن، ليصبح شاهدا على فساد بيع موجودات الدول وفق نسق النهب المخطط له لثروات الشعوب.
فعلا الحالة في الميناء وخارجه تدعو للبكاء، فأنت امام موقع فريد على مستوى العالم وفرصة التميز والمنافسة والحياة لليمن واليمنيين متوفرة فيه، لكن يد الفساد فعلت افاعيلها وحولته الى جثة هامدة؛ فلا تطوير حدث وامسى الميناء بكل ما فيه من روح الى رصيد مالي جديد لخال الرئيس واضافة مالية ايضا لرئيس وصل اليمن في عهده الى المرتبة 164 ضمن مؤشر الفساد عالميا، ومن قائمة الدول العشر الاكثر فسادا على المستوى العالمي. ولا يأتي بعده في خطر الفساد عربيا الا العراق.
الوقوف على مشهد الاقتصاد او احوال المؤسسات والسكان في الجغرافيا العربية يدفعك الى التصادم بسلسلة اعمال واحداث وصفقات لا تقوى عليها الا العصابات، فلا نكذب على انفسنا ولا نعقد مقارنات مع العالم المتقدم، السلطة المطلقة الممنوحة للقائد الضرورة والرمز الملهم جعلت البلاد والعباد برسم تصرفه كيفما شاء. أرشدوني الى دولة عربية لم يستبح حاكمها موجودات الدولة وقبل ذلك انسانها فقرا وتهميشا ولصوصية. لقد تاخرت فعلا أيها الربيع العربي.

[email protected]