جيل لا يخافنا

حملة تفتيش ومداهمات إسرائيلية على حاجز الجلمة قرب جنين - (ا ف ب)
حملة تفتيش ومداهمات إسرائيلية على حاجز الجلمة قرب جنين - (ا ف ب)

معاريف
نوعم أمير 11/12/2015

كانت هذه ليلة من النوع الذي كتبت عنها كليشيهات مثل "في الوقت الذي كنتم فيه نائمين تحت اللحاف هناك أناس يقلبون كل حجر كي يضمنوا أن تتمكنوا من النوم بهدوء في الليلة القادمة أيضا. في هذه الحالة، في الليلة التي كان فيها الحجر أو للدقة الحجارة، توجد في مكان ما في قلقيلية. مدينة هادئة بشكل عام، ولكن لا ينبغي الوقوع في الخطأ، خرجت منها حتى الآن اعمال إرهابية مدوية. العملية في مطعم مكسيم في العام 2003 كانت واحدة من هذه. 19 ضحية كانت في هذا الحدث. اضافة اعلان
منذ بدأت موجة الإرهاب الحالية قبل نحو شهرين يعمل جهاز الأمن في تضافر بالقوى لإحباط العمليات. في الأيام والليالي تعتقل القوات المطلوبين، تجمع المعلومات الاستخبارية وتصادر مواد تحريضية. "في كل يوم نجلس هنا معا، حول طاولة قائد اللواء. هنا تحصل أمور طيبة كثيرة"، يروي العقيد روعي شطريت، قائد لواء افرايم (منطقة قلقيلية المحتلة- تحرير الترجمة). "قادة، مخابرات، حرس حدود ومحافل أمنية اخرى تعرف الميدان وتعيش هنا الواقع، يعملون هنا معا لإحباط الإرهاب. توجد هنا استخبارات ممتازة وتحكم في الميدان، ومن هنا نخرج في الليالي".
هذه أعمال موضعية، هادئة جدا، تستند إلى معلومات استخبارية معينة، تتعلق ببيت معين، ولا مجال للأخطاء. لا بالبيت ولا حتى بالغرفة. المطلوب يسحب إلى تحقيق أولي في غرفته حين يبعد أبناء العائلة إلى غرفة أخرى. نشرح له لماذا اعتقل ويؤخذ إلى التحقيق. وبشكل عام يكون رد الفعل هو صدمة. فهو لا يعرف كيف يعرفون أنه قبل بضع ساعات من ذلك هو بالذات، من كل الجمهور الذي أخل بالنظام، من ألقى الزجاجة الحارقة أو رشق الحجارة.
منذ بدأت موجة الإرهاب اعتقل نحو ألف مطلوب، معظمهم مخلون بالنظام بالعنف. الاعتقالات، كما يقولون في جهاز الأمن، هي أحد العوامل الاساس في أن موجة الارهاب لا تنجر إلى انتفاضة مثلما كان في العام 2000.
"قلقيلية تنتج لنا تحديا غير بسيط"، يعترف قائد اللواء شطريت. "الكثير جدا من التحريض يوجد هنا. نرى هذا في المساجد، في محطات الإذاعة والتلفزيون وفي المناشير التي توزع هنا. نحن نصل إلى النشطاء الذين يوزعون هذه المواد ونحذرهم، نبين لهم اننا نرى ونعرف كل شيء. لدى القوات توجد حرية عمل كاملة. ومن يواصلون التحريض يعتقلون، اما من يهدأون فيبقون تحت المتابعة. في قلقيلية نحن "ندحرج" كل أنواع الحملات مع المخابرات والشرطة، بما في ذلك احباط البنى التحتية لحماس. منذ زمن غير بعيد اعتقلنا خلية مع قيادة وأمسكنا بوسائل قتالية. نعمل كما تعمل آلة قص العشب. كل بضع سنوات يجب الدخول لتنظيف البنى التحتية. قلقيلية هي مدينة هادئة، تنتج بين الحين والآخر حدثا كبيرا. لقد سبق أن كانت سيارات مفخخة وأحزمة ناسفة".
الهدف: مقر الجبهة الشعبية
هذه الليلة ليست ككل الليالي. فاليوم يتم إحياء الذكرى السنوية لإقامة الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين. وعلى طاولة قائد اللواء وضع تقويم للوضع يقول إن الفرع المحلي للمنظمة في قلقيلية يعد بضع مفاجآت للواء أفرايم. احداها هي كمية كبيرة من مواد التحريض، التي ستخرج إلى الشوارع في ساعات الصباح لإشعال المنطقة. وبالتالي فإن الهدف القادم هو مقر الجبهة في المدينة. في الطريق نلتقي بشبان يحملون الحجارة، الزجاجات الحارقة وبعبوات ناسفة من صنع محلي، ولكن القوة لا تصطدم بهم بل تتوجه إلى زقاق التفافي. ويشرح قائد اللواء فيقول إن "الاحتواء هو جزء من عملنا هنا. نحن في سيارة محصنة. حجر هنا، زجاجة حارقة هناك، إذا لم يكن خطر على الحياة فلا يوجد ما يدعو إلى الانجرار إلى العنف".
في الطريق تتباهى قلقيلية بـ"أفضل ابنائها". بوسترات تمجد الشهداء معلقة على الدكاكين المفتوحة حتى في الليل وفيها الشباب أساسا. في داخل محلقة مفتوحة لاحظ بعض الشبان قافلة الجيش الإسرائيلي فامتشقوا هواتفهم النقالة على الفور. وفي غضون دقائق ستنشر على الفيس بوك صور من قلقيلية، كتحذير للآخرين.
تصل القافلة إلى شارع يوجد فيه مقر الجبهة. ويستعد مقاتلو حرس الحدود الذين يعرفون كل زقاق ومقاتلي كتيبة نمر في سلاح المدفعية للدخول إلى الهدف. كل واحد يعرف بالضبط مكانه. الدخول إلى المقر سلس، والمكان يصبح في لحظة هدفا محصنا، أصوات المطرقة الثقيلة التي تكسر القفل تسمع من بعيد. والآن بات الجميع يعرف أن الجيش هنا. الباب ينهار. على الحائط صور الشهداء المعروضين كأبطال مع تاريخ ولادة وموت ووصف للعملية التي صفوا فيها. وفي الخزانات مناشير تدعو إلى الانتفاضة في يوم الغضب. صور زعماء الجبهة وأعلام فلسطين، أقلام وعليها شعار الجبهة، قمصان مطبوعة وأعلام حمراء.
يمشط المقاتلون المكان ويجمعون مواد التحريض والعداء. ويشرح شطريت ويقول "هذا التحريض ينتج أجواء الشارع فتراه في الميدان. في شدة الإخلال بالنظام أيضا يوجد صعيد واضح. قبل موجة الإرهاب لم تكن أحداث كهذه. هذا نتيجة التحريض الذي نراه هنا. فعندما يمجدون الشهداء بالمناشير وتعلق على المحلات صور المخربين الموتى، فإن هذا يخلق أجواء التحريض وهذا يجب إيقافه".
في الصباح سيصل إلى هنا قادة الفرع المحلي للجبهة ليكتشفوا أن الجيش الإسرائيلي زارهم وأحبط نيتهم إشعال الميدان أكثر فأكثر. ليس لدى شطريت أوهام، وهو يعرف أن في الغد ستطبع مناشير أخرى. ومع ذلك فإن هذا العمل مهم للغاية. كل تصعيد قد يصبح اشتعالا هائلا.
قائد اللواء ليس متفائلا
"تربى هنا جيل لا يتذكر السور الواقي ولا يخاف"، يقول قائد اللواء ويشرح أن الجيش الإسرائيلي يخطط للأسوأ. "اليوم في أعمال الإخلال بالنظام نتعاطى مع 600 مخل بالنظام، أما في السيناريو فنحن نتحدث عن 6.000"، يقول قائد اللواء ويضيف: "هذا لا يمكن تفريقه بالغاز المسيل للدموع. سنرى مزيدا من بؤر وساحات الإخلال بالنظام، النار على محاور السير ومحاولات التسلل إلى المستوطنات. في معظم مناوراتها نستعد لهذا. كل حدث صغير يمكن أن يؤدي إلى تصعيد على نطاق واسع كهذا".
هو ليس متفائلا ويقول: "نحن لا نرى نهاية لهذه الموجة قريبا، وحسب الإحساس والمقاييس المختلفة، فإن هذا لن يعود أبدا لما كان عليه قبل موجة الارهاب. الكبار في السن يقولون نحن نعرف ما يمكن أن نخسره أما الشباب فلا يعرفون الا القصص اساسا. عندما يعتقلون يدخلون إلى السجن لفترة بضعة اشهر حتى بضع سنوات، العائلات تتضرر لأنه تسحب منهم تصاريح العمل، واذا كانوا بنوا بشكل غير قانوني فإنه تصدر بحقهم أوامر هدم. هذه أداة تكسرهم. ولكن الشباب لا يرون دبابات في الشوارع مثلما كان في 2002 وهم لا يخافون. هل سنضطر إلى العودة إلى سور واقٍ 2؟ لا يمكن أن نعرف. المقلق هو أني أبحث عن أفول الموجة ولا أراه. يوم، يوما هدوء و"بُم"، عملية تأتي بشظايا نلتقيها هنا".
قلقيلية كما يقال، هي المشكلة الصغيرة لجهاز الأمن. أكثر بقليل من 50 ألف نسمة. 10 آلاف منهم اصحاب تصاريح عمل، قريبون من طريق 6، لا يعانون كثيرا في الطريق إلى العمل في إسرائيل. شوارع نظيفة وميادين متطورة نسبيا. الكثير من الاعمال التجارية. اغلبية ساحقة من السكان ممن لا يريدون سوى نيل الرزق والعيش بهدوء. وحتى قبل موجة الإرهاب الحالية كان الكثير من الإسرائيليين يسافرون اليها للمشتريات ولإصلاح السيارات. ورغم كل شيء انجرفت في موجة الإرهاب. ويشرح قائد اللواء شطريت فيقول: "يوجد هنا سكان لا يريدون العنف. هذا يضرهم. الاولاد يرون الجيش، الغاز المسيل للدموع، الجرحى، سيارات الاسعاف والصحفيين. ولكن السكان لا يمكنهم عمل الكثير. هذا هو الواقع في العديد من البلدات الفلسطينية. وخسارة.