حينما يكون الكلام من ذهب

تتفاجأ عند التحدث مع كثير من المرضى من قلة معرفتهم بحقيقة وضعهم الصحي، وجهلهم بالمعلومات الأساسية عن طبيعة مرضهم، والأمور المترتبة عليه، والمآلات المرجوة من العلاج. فمن خلال تماسّي اليومي مع المرضى وهمومهم، نادرا ما اصطدم بمريض غير راضٍ عن الجانب الطبي البحت من رحلته العلاجية او عن التكنولوجيا المستخدمة او الادوية الموصوفة له أو عن مهارة الطبيب وخبرته، لكن الجانب الطاغي على مشاكلهم وعدم رضاهم، غالبا ما ينحصر في قلة التواصل معهم من قبل الطواقم الطبية؛ كما ونوعا، وهذه المشكلة لا تقتصر على بلد ما او مؤسسة بعينها وإنما هي احدى المعضلات المزمنة التي يعاني منها القطاع الصحي، فقد اشارت احدى الدراسات إلى أن الطبيب يمنح مريضه في المتوسط 24 ثانية قبل ان يقاطعه ويوجه الحديث الى وجهة اخرى.اضافة اعلان
في عصر السرعة التي مسّت جميع جوانب حياتنا أصبح الوقت المتاح للطبيب للتحدث مع مريضه محدودا، فالطبيب يعلم أن هناك قائمة طويلة من المرضى ينتظرون دورهم، كما أن نظام الأجور الطبية لا يأخذ بعين الاعتبار الفترة التي يقضيها الطبيب مع مريض، ما يجعله في عجلة من أمره على طريقة  drive through في مطاعم الوجبات السريعة.
تشير العديد من الدراسات الى الكلفة الباهظة صحيا وماليا التي تنتج عن سوء التواصل بين الطبيب ومريضه، والتي تشمل تردد المرضى في اتخاذ قرارات مهمة تخص حياتهم أو في تقبل بعض التدخلات والعلاجات التي قد تكون مفيدة لهم كما تؤدي إلى استنزاف الموارد المالية للدول والأفراد.
المرضى الذين يتواصلون مع أطبائهم غالبا ما يتفهمون وضعهم الصحي والخيارات المتاحة ويتقبلون القرارات مهما كانت مؤلمة، ويلتزمون بالبرنامج العلاجي الموصوف لهم ويغيرون من أسلوب حياتهم، فالتواصل بين الطبيب ومريضه لا يقل أهمية عن العلاج الذي يصفه له.
يحاول البعض ان يجد في التكنولوجيا وما وفرته من وسائل حديثة للتواصل، كشبكات التواصل الاجتماعي والبريد الالكتروني والملفات الطبية المحوسبة، وسيلة بديلة لتعويض النقص في التواصل الإنساني، لكن هذه تبقى قاصرة وجامدة ولا يمكن بحال من الأحوال ان تكون بديلا من التواصل الإنساني المباشر، فعملية التواصل بين الطبيب والمريض تبدأ باستقصاء الطبيب عن مدى معرفة المريض بحقيقة وضعه والى اي مدى يود ان يتعمق في المعرفة، فالناس مختلفون فى مدى رغبتهم بمعرفة حقيقة وضعهم، ومن ثم يقوم بتقديم المعلومة له بصدق دون مبالغة في التفاؤل او التشاؤم مستخدما لغة سهلة الفهم بعيدا عن المصطلحات المعقدة وبصورة تظهر التعاطف معهم بعيدا عن التعابير المحايدة، كما يتوجب على الطبيب ان يكون مستعدا للتعامل مع ردات فعل مريضه المختلفة.
التواصل الإنساني علم راسخ الأركان ويمكن تعلمه، لكنه للأسف لم يجد له مكانا في مؤسساتنا التعليمية سواء على مستوى كليات الطب او المستشفيات التعليمية، فما نزال نغرس في وعي طلابنا ان الطبيب بمثابة القيّم على مصلحة مريضه وانه وحده يملك الحقيقة المطلقة فيما يخص صحته بينما يكتفي المريض بدور المتلقي السلبي.
العلاقة بين الطبيب والمريض هي علاقة شخصية تبنى على الثقة والتواصل والاحترام، وبدونها لا يمكن لهذه العلاقة أن تؤدي الى الهدف المشترك وهو صحة المريض.