رمضان يؤجج مشاعر المغتربين..

زينة رمضان تزين شوارع عمان  - (تصوير: محمد مغايضة)
زينة رمضان تزين شوارع عمان - (تصوير: محمد مغايضة)

ربى الرياحي

أجواء روحانية وعائلية تلك التي يفتقد إليها المغتربون في هذه الأيام الفضيلة المباركة. وذكريات كثيرة دافئة عفوية تقتحم وحدتهم المرهقة التي اختاروا أن يعيشوها رغما عنهم. هاربين من قسوة تلك الظروف التي تفرض عليهم وضعا اجتماعياً لا يليق أبدا بطموحاتهم وأحلامهم الكبيرة لعلهم يستطيعون في المقابل مجاراة الواقع. والتحرر قليلا من كل الصعوبات المادية التي تعكر حتما صفو الحياة. وتمنعهم من التمتع بذلك الاستقرار النفسي والاجتماعي .اضافة اعلان
جميعهم وبدون استثناء بحاجة إلى أن يتواصلوا مع أسرهم تواصلا حقيقيا بعيد كل البعد عن جمود تلك التقنيات الحديثة. وبرودها العاطفي الذي سئموا اختباره لسنوات طويلة. بحاجة إلى أن يخرجوا من ذلك الروتين الحياتي الممل الذي فرض عليهم بسبب عملهم الدائم. والسعي من أجل تحقيق ذاتهم. لكن هناك ظروف كثيرة قاسية غالبا ما تقف في وجه قرار الإجازة الذي من شأنه أن يعيد إليهم البهجة والفرح. ويبث فيهم الحماس ليتمكنوا من إكمال تلك الحياة المفتقرة للمشاعر والدفء الأسري الذي يرغبون كثيرا في أن يعيشوه خاصة في هذا الشهر الفضيل كونه قادرا فعليا على إشاعة المحبة بين الناس وإعطائهم فرصة أخرى تقربهم ثانية من بعضهم وتزيل أي ضغينة بإمكانها أن تخلق بينهم العداوة والكره.
كل المغتربين وتحديدا أولئك الذين يحملون على عاتقهم مسؤولية إعالة أهلهم يضطرون إلى تحمل جميع تبعات الغربة. يحاولون باستمرار البحث عن بعض التفاصيل الصغيرة المتعلقة بوالديهم بإخوتهم بأصدقائهم المقربين. تفاصيل لم يولوها اهتماما من قبل يقررون تذكرها معتقدين أنهم بهذه الطريقة سينجحون في تخطي ألم الغربة والتأقلم تدريجيا مع ذلك الغياب الموجع. وينسون أن الذكريات في كثير من الأحيان محرض  قوي على تأجيج الحنين في دواخلهم الباحثة ربما عن ضجيج تلك اللمات العائلية. وأحاديثهم الممتعة المسلية التي يتخللها بين الحين والآخر ضحكات متعالية خارجة من القلب. ترغب في الانعتاق من كل الهموم المتراكمة التي تصر على أن  تبقى حاضرة في كل البيوت على اعتبار أنها جزءا أساسيا من واقع قائم في حد ذاته على الاضطرابات المادية والاجتماعية. ومخاوف يومية مؤقتة تحتاج إلى مسوغات مقنعة من شأنها أن تجنبهم اليأس والقلق والاستسلام لبعض الأفكار السوداوية.
إحساسهم الدائم بالغربة وبأنهم وحيدون. ليس هناك من يخفف عنهم عناء العمل وقسوة البعد عن أحبة يمتلكون كل مفاتيحهم. يفهمون جيدا إصرارهم على التنازل عن تلك الحياة الأسرية الطبيعية كل ذلك يخلق لديهم حتما حالة من عدم الاستقرار. تنتزع منهم في الغالب سكينتهم وهدوءهم الداخلي. تربك حتى مخططاتهم التي ظلوا لسنوات يرسمون ملامحها بشكل يضمن لهم حياة أكثر استقرارا واستيعابا لأحلامهم التي ترفض الوقوف عند حدود الوهم.
إلى ذلك، الاكتفاء بما هو متاح ربما لأن في داخل كل مغترب صراع حقيقي بين عقله ومشاعره. يحاول تجاهله خلال العام. لكنه في رمضان بالذات يرى أنه عاجز عن ضبطه. والسيطرة على كل المشاعر التي توقظ لديه رغبة ملحة في العودة إلى أرض الوطن. إلى ذلك البيت الذي لطالما احتضنه واحتضن كل ذكرياته بحلوها ومرها. وإلى الأجواء الأسرية القادرة حتما على أن تنسيه متاعبه وتعوضه عن كل ما فاته من حب وحنان ودفء.