روسيا تقصف والاقتصاد العالمي ينزف

شاشة تعرض خسائر البورصات الأوروبية أول من أمس-(أرشيفية)
شاشة تعرض خسائر البورصات الأوروبية أول من أمس-(أرشيفية)
إسلام البدارنة عمان - لم تكن العقوبات التي فرضت في الآونة الأخيرة على روسيا هي الأولى من نوعها، فلطالما كانت موسكو تواجه جملة من التشديدات والعقوبات بحقها، لكنها رغم ذلك ما تزال تصنف بين أقوى الدول في العالم. ووصف خبراء سياسيون واقتصاديون الحرب الروسية الأوكرانية، بأنها ليست مجرد صراع محلي، معتبرين أن ما يحدث أكثر خطورة من الغزوات السوفياتية للمجر عام 1956 وتشيكوسلوفاكيا في عام 1968. ومنذ اندلاع الأزمة لم يتدخل الغرب عسكريا، رغم تصاعد المواجهات في أوكرانيا وارتفاع عدد القتلى، بل اكتفت الدول الغربية، والولايات المتحدة كذلك، بفرض عقوبات قالت إنها "غير مسبوقة ومدمرة للاقتصاد الروسي". ويعتمد الاقتصاد الروسي على النفط والغاز بنسبة 45 %، و"أي عقوبات على هذا القطاع ستكون لها عواقب وخيمة على الاقتصاد العالمي، وليس روسيا فحسب" بحسب الخبراء. إلى ذلك، تثار العديد من التساؤلات حول مدى نجاح العقوبات على روسيا، وهل ستنجح فعلا في ردعها وتجبرها على تغيير سياستها في التعامل مع الملف الأوكراني. الخبير الاقتصادي د.حسام عايش اعتبر أن الاقتصاد الروسي سيتأثر بالعقوبات "ليس على الفور وإنما على المدى المتوسط، لكونها أعدت عدتها من العملات الأجنبية والذهب فور إعلانها الحرب على أوكرانيا، وبالتالي لديها القدرة على الاستمرار بالإنفاق والارتكاز على احتياطها في مواجهة الانتكاسة في اقتصادها".

إلى متى ستبقى روسيا صامدة؟

أكد عايش أن الاقتصاد الروسي قادر على الصمود في وجه العقوبات فقط في المرحلة الأولى من الحرب أي خلال شهر من الآن كحد أدنى، في حال شنت الولايات المتحدة حربا باردة عن طريق وقف كل التعاملات البنكية مع روسيا، بالتالي ستحول بين روسيا وبين استخدام نظام المال العالمي. الأمر الذي يلحقه أضرار وتبعات اقتصادية وخيمة على روسيا، ومنها التأثير المباشر على أسعار الأسهم والروبل الروسي والتبادل التجاري الروسي مع العالم، حسب ما ذكره عايش. ويبلغ حجم التبادل التجاري بين روسيا والعالم حوالي 550 مليار دولار، و45 % من مداخيله هو النفط والغاز، وبالتالي فإن "وقف مثل هذه الأنشطة أو التأثير على الشركات الروسية المختصة بالنفط والغاز لا شك سيؤثر على الاقتصاد الروسي"، وفقا لعايش. ولا شك أن العقوبات التي فرضت على روسيا ضررها ليس أحاديا، وإنما على معظم الدول، وبالأخص تلك الدول التي تعتمد على موسكو في القمح والغاز مثل ألمانيا، بحسب عايش. وقال عايش إن "العقوبات التي تتخذها الولايات المتحدة ستأخذ نموذج العقوبات التي فرضتها أوروبا والولايات المتحدة على إيران، أي بمعنى أنها أيضا ستجبر الدول الأخرى على وقف تعاملاتها مع روسيا وفي ذلك سندخل في إطار حملة عالمية كبرى وهذه ستكون نتائجها كبيرة على الكثير من الدول". وأضاف أن التكنولوجيا رفيعة المستوى المستخدمة في روسيا ستتأثر في بعض الاستثمارات النفطية أو الصناعية، وهو ما سيؤثر على معدلات النمو الروسي المتوقعة أنها 2.8 لعام 2022 بما يسبب انخفاضها. وذلك الأمر سيؤدي إلى ارتفاع كلف الحياة في روسيا، ومعدلات الفائدة، وأسعار المواد المختلفة، والنتيجة هي إحداث اضطرابات داخلية في أنحاء متفرقة في البلاد، حسب اعتقاد عايش. وأكد على أن "جميع الاستهدافات كانت للاقتصاد"، موضحا أن "رسالة العقوبات هي إثارة الشعب الروسي على قيادة رئيسه فلاديمير بوتين". والأثر الذي سيلمسه الاقتصاد الدولي نظرا للعقوبات التي فرضت على روسيا، هو الذي يتمركز في مجال النفط والغاز اللذان قالت روسيا إنها ستستمر بتزويد أوروبا بهما، بالإضافة إلى تراجع تصدير روسيا وأوكرانيا للحبوب والقمح ما سيرفع أسعار المواد الغذائية في العالم، وهذه الارتفاعات ستضاف إلى السابقة منها، حسب ما ذكره عايش.

ما الأثر الاقتصادي على الأردن؟

لا شك أن الضرر الاقتصادي الدولي الذي سيتعرض له العالم جراء الأزمة الروسية الأوكرانية، سيلمسه الأردن والذي سيؤدي إلى ارتفاع الكلف في السوق المحلية، الأمر الذي يخلق مشكلتين وهما "هل ستتحمل الحكومات فرق الأسعار الإضافي الجديد؟ أو ستحمله للمواطن؟"وفق عايش. إلى ذلك، في جميع الأحوال هذا سيؤدي في دولة مثل الأردن إلى زيادة عجز الموازنة وبالتالي مزيدا من الديون، الأمر الذي يؤدي إلى تفاقم المشكلات الناجمة عن فوائد هذه الديون وأقساطها وتأثيرها على الأداء الاقتصادي المحلي. وقال عايش "أي نشاط أو حرب لا بد في النهاية أن تنتهي"، وذلك يعتمد على القدرات العسكرية للدولتين في تحديد خاتمتها، مضيفا أن أي حرب لا بد أن يواكبها حل دبلوماسي.

ما هي رسالة روسيا للعالم؟

رأى عايش أن رسالة روسيا من شن الحرب على أوكرانيا هي أن "تُعلم الغرب أنها لن تقبل بوجود الحلف الأطلسي على حدودها، وهي على أتم الاستعداد للذهاب إلى أقصى مدى في الدفاع عن هذه الحدود" والأمن القومي لروسيا. ومن ناحية الغرب وموقفهم، يعتقد عايش أنه "لن يتقبل فكرة روسيا قوية قادرة على فرض إرداتها، الأمر الذي يعني أن المفاوضات بعد انتهاء العمليات العسكرية ستكون صعبة، وربما لن تسفر عن شي في ظل هذه المواقف القوية للطرفين". وأضاف أن العامل الاقتصادي "يدخل هنا لكي يرجح كفة دولة من جهة على أخرى"، معتقداً بأن الغرب يراهن على أن هناك تغييراً ربما يحدث مستقبلا في القيادة الروسية.

ما القادم؟

وبدوره، قال المحلل السياسي الدكتور عامر السبايلة إن "العلاقات ستتوتر كثيراً، وخصوصاً أن روسيا ستعاني من عزلة سياسية، بعد فرض العقوبات الجديدة عليها"، موضحاً أن "هذا ما هو الإ عملية قلب للطاولة، والضحايا كثيرون على الصعيدين البشري والاقتصادي". وأضاف أن "موسكو تعلم في النهاية أن الأزمة وصلت إلى الداخل وبوتين لديه استحقاقات داخلية، ومنذ العام الماضي والمظاهرات السياسية عادت مع المعارضين، بالتالي خلق أزمة معمقة ناتجة عن العقوبات الدبلوماسية والاقتصادية السابقة التي كانت تدريجياً تقودنا إلى هذه النقطة، خصوصاً بعد تفاقم الأوضاع سوءاً وفرض عقوبات مباشرة. ويرى السبايلة أن "هذه الحرب بالنسبة لبوتين هي خروج من مأزق داخلي، وبأن الأمر توسع للدخول في أزمة دولية، بالتالي هو لا يستطيع الخوض في حرب ضد كل العالم، محاولاً في ذلك تصعيد الأمور لفرض رؤية أو الجلوس على الطاولة بطريقة تحقق مكاسب له". ومن الواضح أن المحور الغربي مستعد لهذا التصعيد وتعامل معه بطريقة فاجأت بوتين نفسه، خاصة بعد اتخاذه خطوة إيقاف خط الغاز الشمالي، الذي كانت ألمانيا تفاوض بشأنه الولايات المتحدة قبل شهرين، وفق السبايلة. وأوضح السبايلة أن "اليوم كل دول المحور الغربي ستدخل هذه الأزمة، بالتالي بوتين يصعد بمنطقة لا تخدمه في تغير الواقع الروسي الداخلي، وهذا ما يسمى بتفجير الأزمة في الداخل الروسي". وحول مدى فشل الدبلوماسية الأوروبية في التعامل مع الملف الأوكراني، ذكر السبايلة أنها فاقدة لقدرة التدخل بالصورة المباشرة منذ سنوات، نظراً لاختلاف وجهات النظر في كثير من الأمور، لكن "سياسة بوتين" الأخيرة تقدم مادة لتوحيد هذه السياسة ودفعها باتجاه اتخاذ خطوات على أرض الواقع، وأبرز مثال ما صرحت به رئيسة المفوضية الأوروبية والذي تمثل بطابع القسوة كوقف التعامل والعقوبات، والذي يعد من ناحية القوة والوضوح "تحولاً كبيراً".

إقرأ المزيد : 

اضافة اعلان