سوء التغذية وهدر المستقبل

تناولت وسائل الإعلام وكذلك مؤسسة تضامن تقارير عن الطفولة وسوء التغذية في الأردن؛ تؤشر إلى حالة خطيرة تهدد بهدر المستقبل وتحول كل جهود التنمية والخدمات الأساسية هباء منثورا! فحين يكون ثلث الأطفال يعانون من فقر الدم فإننا نتحدث عن مستقبل مخيف، فذلك يعني ببساطة أن ثلث المجتمع بعد سنوات قليلة سوف يكون عاجزا عن المشاركة الاقتصادية والاجتماعية، ومعرضا للتقزم والأمراض، ما يعني مزيدا من الإنفاق على الصحة وضعفا في العمل والإنتاجية، وتراجعا في فرص العمل والحياة الأطول، وغياب المساواة في التنافس على الفرص والأعمال. يقول تقرير الأمم المتحدة للتنمية الإنسانية إن برامج التغذية المناسبة والكافية للأطفال تزيد فرص أطفال الفقراء والمهمشين على التنافس والقدرة على المشاركة بنسبة 25 في المائة، وهي نسبة كافية لجسر أو تخفيض الفجوة بين الفقراء والأغنياء، هكذا فإن أهم ما يلزمنا لمستقبل واعد للأجيال أن نستهدف الأطفال والأمهات ببرامج تغذية وعناية صحية وتوعية اجتماعية وعلمية تعدل سلوك المواطنين والأسر والأطفال، وهي برامج وتكاليف ليست خارجة عن قدرتنا، فالتغذية الجيدة والنظافة أهم سبب ومصدر ليتوفر للناس فرص كافية في الصحة والعمل، بل إن التغذية والنظافة تحقق نتائج صحية في العلاج والوقاية من الأمراض وبناء القدرات والمهارات أكثر من الأدوية والمستشفيات والخدمات الصحية... تبدأ آثار وتفاعلات سوء التغذية منذ الحمل، ويؤثر سوء التغذية للأم الحامل على الجنين وتمتد هذه الآثار السلبية على الطفل طول حياته، فقد يولد ناقص الوزن ويفتقد إلى كثير من العناصر والمكونات الأساسية والضرورية، مثل هشاشة العظام، وفي المقابل فإن الطفل المولود الذي يجيء إلى الحياة بوزن جيد ومكونات وعناصر كافية يكون قد امتلك فرصة جيدة للنمو والتكوين والتعلم، لأن الصحة العقلية والمعرفية تستمد قدراتها وحيويتها من التغذية الجيدة. وبالطبع فإن الإنسان يحتاج إلى تغذية وعادات صحية جيدة طوال حياته، لكن السنوات الأولى من حياة الطفل تحدد بنسبة كبرى فرصته في الصحة والنمو، وتؤشر تقارير الصحة والتنمية على صحة الأطفال والتنمية بعامة بمعدلات أوزان الأطفال وعدد الوفيات، وفي المقابل فإن نقص الإمداد بالمواد الغذائية يؤدي إلى سلسلة من المخاطر، مثل فقر الدم ونقص الحديد والاوكسيجين، ما يؤدي إلى التقزم، وضعف القدرات الجسدية، وربما إعاقات جسدية وعقلية، وإذا أمكن للطفل في الأشهر الستة الأولى الحصول على رضاعة طبيعية كافية، فإنه يحصل على كل الفيتامينات والمعادن والمناعة اللازمة لبقائه حيا بصحة جيدة، ومؤكد بالطبع أننا نحتاج إلى تغذية وتوعية للأمهات وتوفير فرص كافية للعاملات منهن للقدرة على حضانة الأطفال وإرضاعهم. وتحتاج الأسر إلى معرفة ومصادر كافية للمياه الصحية والآمنة لتجنب التلوث والإسهال، ومكملات غذائية مثل فيتامين أ والحديد واليود وزيت السمك؛ إضافة بالطبع إلى التحصين ضد الأمراض السارية والخطيرة، والحال أن ذلك يجري على نحو مؤسسي جيد في الاردن، لكن لماذا تكون هذه الحالة المخيفة في فقر الدم لدى الاطفال والأمهات الحوامل؟ الإجابة البديهية هي الفقر، لكن مؤشرات الدخل والتعليم في الأردن تقتضي بالضرورة أن تكون نسبة سوء التغذية أقل بكثير مما هي عليه، ومن الملفت أيضا تنامي حالات الوزن الزائد وغياب ممارسة الرياضة وخاصة المشي. المرجح أن أسلوب الحياة في المدن وفي الريف أيضا مسؤول عن كثير من النقص والخلل في الصحة والغذاء، كما أن التلوث والتخطيط غير الملائم للمدن، يجعل المواطنين يعتمدون على وسائل المواصلات أكثر من المشي، بل إن المشي في عمان والمدن الأردنية يتحول إلى مغامرة خطيرة!اضافة اعلان