"كورونا" يزيد قسوة الشتاء.. ويفاقم ضغوطات "تكيف" ذوي الدخل المحدود

تغريد السعايدة

عمان - لم تغب جائحة كورونا، حتى عادت بحدتها وآثارها السلبية، لتقف تبعاتها بين شتاءين مرين، فتلقي بظلالها القاتمة على حياة آلاف العائلات التي لم تتأثر بفتح القطاعات الاقتصادية، وعودة الحياة لطبيعتها تدريجيا، فباتت تحاول لملمة تغطية احتياجاتها المادية.اضافة اعلان
وللمرة الثانية، تقسو الجائحة بحدتها، لتكون ضيفا ثقيلا على عائلات، لا تجد في جيوبها ما يكفي لاستقبال الشتاء الجديد.
مع بداية كل شتاء، تبدأ العائلات بالاستعداد لمواجهة تبعاته، ما بين تخزين للطعام، أو تخصيص مبالغ مالية لـكسوة الأفراد، بالإضافة إلى أن كثيرا منها، يخزن كميات من المحروقات لاستخدامها في أيام الشتاء الباردة.
ويأتي هذا العام، مليئا بقصص عائلات، أوضاعها المعيشية مرهقة وقاسية، تعيش تحت وطأة تبعات الجائحة، بخاصة الآثار الاقتصادية، ليكون هذا الشتاء، الأصعب على نسبة كبيرة منها.
الخبير والمحلل الاقتصادي حسام عايش، يؤكد ان تداعيات تفشي فيروس كورونا والنتائج التي ترتبت عليها، ما تزال مستمرة، وستتواصل، وربما يظهر تأثيرها الكبير في العام المقبل، وبالتالي فإن كثيرا من أرباب الأسر، ممن تقطعت بهم سبل العمل، سيواجهون مزيدا من التحديات في العام الجديد وفصل الشتاء الذي يتزامن مقدمه مع ارتفاع كلف الطاقة، والحالة الصحية المقلقة جراء ارتفاع عدد الإصابات في "كورونا" على مستوى المملكة، وجميعها تشكل "خلطة" لأوضاع صحية ومعيشية، ستكون أكثر صعوبة.
ويؤكد عايش، أن زيادة نسبة البطالة وفقدان الكثيرين لأعمالهم في العامين الماضيين، وتراجع القدرات الإنفاقية لدى الكثير من المؤسسات، وتوقف بعض الأنشطة الاقتصادية، كما في تراجع حوالات المغتربين، أو تردي أوضاع المشاريع الخاصة، كان سببا بتعاظم المشكلة الاقتصادية على العائلات، وأدت إلى تراجع الدخل الحقيقي للعائلة بنسب تتراوح بين 5 إلى 10 %، وبعضها يصل تراجع دخلها إلى 20 %، نظرا لتعطل أعمالهم.
هذا الأمر، وفق عايش، يحتاج إلى سنوات أخرى مقبلة للمرور في مرحلة التعافي الاقتصادي، وإعادة الحياة للأنشطة الاقتصادية إلى ما كانت عليه سابقا، وبالتالي فإن التأثيرات السلبية المتفاقمة لمواجهة "كورونا" وتبعاتها، وعدم وجود برامج تعاف مناسبة، ستؤثر على الناس في الشتاء الحالي، بخاصة مع ارتفاع أسعار المشتقات النفطية، وتراجع القدرة الشرائية للمواطنين، لافتا إلى أن المواطنين والجهات المعنية عموما، لا يلقون بالا لما يعرف بـ"اقتصادات الشتاء"، التي يمكنها أن تحقق مستوى معيشيا محتملا في حال اتباعها.
ويشير عايش، إلى أن الشتاء، أكثر الفصول التي أثرت على أصحاب المهن والأعمال الموسمية، والتي قد تتأثر بانقطاعهم عن العمل ونقص مدخولاتهم، ما قد يفاقم من أعباء معيشية لعائلاتهم، ويزيد من كلفها، ويصعب التكيف مع أوضاع الشتاء واقتصادياته.
ولفت إلى أن هناك من يرى أن الناس قادرة على التكيف، أو أن لديها إمكانية للتكيف، لكن بصعوبة بالغة، إلى جانب تغير عملية الإنفاق من شكل لآخر، لكن ذلك لا يمكن الجزم به في ظل الظروف التي أشرنا اليها.
وبالتالي، فإن جودة الحياة بالنسبة للمواطنين، وفقه، تصبح أقل في الشتاء، وتختلف عنها في كثير من الفصول الأخرى، بخاصة عند العائلات محدودة الدخل، ما يضطرها لتغيير عاداتها الاستهلاكية، وهذا يعتبر ضغطا إضافيا على مستوى معيشتها، لذا، على الجهات الحكومية أو المصرفية أو مؤسسات المجتمع المدني، بذل جهود إضافية لإعانة المواطنين على مواجهة هذه الأعباء والمرحلة المقبلة.
ويتطلب هذا الأمر، كما يشير عايش، إلى اجتراح حزمة جديدة من الحماية الاجتماعية، بعيدة عن أشكال الدعم السابقة، تتخذ سياقا يعنى بدعم العائلات الفقيرة والمحتاجة، ليمكنها من مواجهة أعباء الفصل الحالي.
ولفت إلى أن على الأفراد، التقليل في بعض نفقاتهم، وتغيير عاداتهم الغذائية والالتزام بالأمور الضرورية دون إنفاق مسرف، مع اتخاذ الحكومة إجراءات جدية لمساعدة العائلات الأكثر حاجة وذوي الدخول المحدودة، واقرار إجراءات ضريبية خلال هذه الفترة، تسهم بتخفيض بعض الأسعار، بخاصة المواد الاستهلاكية.
ولكون العائلة، هي القادرة على تسيير أمورها الاقتصادية، فإن هنالك دورا كبيرا يقع على عاتق أرباب الأسر والسيدات، بخاصة في المجال الذي يمكن أن تكون الأم وربة المنزل فيه، هي القادرة على تحريك دفة احتياجات عائلتها، لذلك تنصح خبيرة التدبير المنزلي منيرة السعيد، بتعميم ثقافة التكيف وتغيير نمط استهلاك العائلة، وبالتالي محاولة التوفير المنزلي في مستلزمات الشتاء قدر الإمكان.
ومن ذلك، تقدم السعيد عدة أمثلة على مستلزمات الشتاء التي تتطلب زيادة في المصاريف بطريقة ما، وهي: الملابس الشتوية التي قد تستلزم الظروف المادية للعائلة اعتماد الأم على مبدأ إعادة الاستخدام والتدوير للملابس الشتوية، إذ تضطر العائلات لشراء ملابس سنويا، ما يتطلب عبئا ماليا مضاعفا على العائلة، بينما يمكن للأم استغلال أكبر قدر ممكن في هذه الفترة الحرجة لعائلتها، بان تقتصد قدر الإمكان، كما يمكن اعتماد سياسة التكافل بين العائلات، وتوزيع الملابس على المحتاجين منهم بطريقة مناسبة ولائقة.
إلى ذلك، تشير السعيد، الى ان التدفئة ومتطلباتها في الشتاء، من أكثر الأمور التي قد تضاعف مصروف العائلة، بخاصة الآن في ظل ارتفاع الأسعار المرهق، لذا يجب على العائلة الاقتصاد باستخدام التدفئة، بحيث يمكن الجلوس في غرفة واحدة، واستخدام وسيلة تدفئة واحدة، كما يمكن استغلال أشعة الشمس قدر الإمكان في ساعات النهار لتدفئة البيت، عدا عن تقنين استخدام المحروقات بتحديد ساعات تشغيلها في اليوم الواحد، للحد من الاستهلاك المضاعف.
واخيرا، تعتقد السعيد انه من الأهمية بمكان، اعتماد ربة المنزل على نظام معين بتخزين الأطعمة الشتوية والمأكولات بشكل مناسب، ليصار لاستخدامها في الشتاء دون الاعتماد على الطعام الجاهز من المحلات، الذي يرفع مصروف العائلة، وهذا جميعه يعتمد على انتهاج العائلة لأسلوب تربوي للأطفال، يساعدهم على التأقلم مع الظروف الاقتصادية التي تمر بها العائلة، وسط حالة البطالة والفقر، وتدني مستوى الدخل الذي لا يمكن تخمين متى تنتهي آثاره.