لجنة تنسيق أحزاب المعارضة.. إكرام الميت دفنه

ولدت لجنة تنسيق أحزاب المعارضة في أجواء موقف شعبي رافض للتسوية السلمية مع العدو الصهيوني، إضافة إلى مواجهة الإخفاقات في المسار الديمقراطي المتعثر. بعد التجربة المديدة للجنة، تأكد أن ضررها أكثر من نفعها. فالتركيبة لا تعبر عن تحالف شعبي عريض؛ تلك الأحزاب مجتمعة، باستثناء جبهة العمل الإسلامي، لم يكن لها أي حضور يذكر في أي انتخابات، ولا تظهر في استطلاعات الرأي، ولكنها تستند إلى حضورها الرمزي في الذاكرة الشعبية، وأي نائب مستقل أو رئيس بلدية أو نقيب في نقابة مهنية له حضور أكثر من أي حزب منها. لا شك أن ثمة شخصيات لها ثقل بذاتها، مثل المناضل يعقوب زيادين أمد الله في عمره، لكن هو ذاته لم تعد له صلة تنظيمية بالحزب الشيوعي الأردني.اضافة اعلان
بات ضرر اللجنة كبيرا في ظل موقف تلك الأحزاب من "الربيع العربي". فهي تقف بمجملها مع السفاح بشار الأسد ضد الشعب السوري، وفي مصر تقف مع عبدالفتاح السيسي والانقلابيين ضد الشعب المصري. مقابل هذه الخسائر الأخلاقية الفادحة، تكرر تلك الأحزاب الموقف التقليدي المشترك مع الإسلاميين في الصراع العربي-الإسرائيلي، والمواقف التقليدية الأخرى الرافضة للسياسات الحكومية على صعيد الأسعار وغيرها.
وما لا يقل عن الضرر السابق هو أن حزب جبهة العمل الإسلامي، وهو تقليدي محافظ، فقد بسبب التحالف الرتيب أي فرصة للتجدد والإبداع، وحتى المناورة. فمثلا، عندما طرح عون الخصاونة، وهو أكثر رؤساء الوزارات جدية في الإصلاح السياسي، العودة إلى قانون الانتخاب الدستوري المعروف بقانون 89، رُفض طرحه الدستوري والواقعي لصالح قانون أحزاب المعارضة، وهو قانون مبني على مجاملات حزبية، وليست له أرضية دستورية وسياسية معتبرة.
الوقت المستنزف في اجتماعات لا تتوقف، وتخرج بكلام مكرر، يمكن أن يستفاد منه بطريقة أخرى. الخطوة الأولى إعلان نهاية لجنة التنسيق، والثانية عمل لجنة تنسيق داخل حزب جبهة العمل الإسلامي نفسه، بحيث نشهد حوارا داخليا حول كل القضايا، يفضي إلى لغة متطورة مشتركة تجاه كثير من الملفات. وبعدها يبحث عن حلفاء. وأعتقد أن في القوى التقليدية والحديثة حلفاء يمكن أن يفيدوا "الجبهة" ويستفيدونا  منها.
أي شيخ عشيرة أو وجيه أو رئيس غرفة تجارة أو بلدية تقليدي له وزن أكثر من الأحزاب عالية الصراخ؛ وهو أكثر تقدمية منها. وفي القوى الشبابية الحديثة، سواء من الحراك أو غيره، طاقات يمكن الاستفادة منها. شباب الحراك من غير الإسلاميين بحاجة إلى تأطير العلاقة معهم وتفعيلها، وغيرهم كثير من الفاعليات الشبابية المنشغلة في مواضيع بيئية أو فنية أو رياضية أو اجتماعية.
على جبهة العمل الإسلامي إدراك أن جلوسها مع من يتبنون السفاحين هو سقطة أخلاقية قبل أن تكون سياسية. وعليها أن تعتبر مما جرى في مصر؛ فحمدين الصباحي ومن على شاكلته من قوى "تقدمية"، استنزفوا أصوات الإخوان في الانتخابات، وفازوا على ظهورهم، لكنهم في أول اختبار انحازوا للفلول، وكانوا ظهيرا للأمن وهو يقتل الإخوان ويعتقلهم.
من المستبعد أن تفعلها جبهة العمل الإسلامي؛ فخلال سنين طويلة، أدمن قادتها الاجتماعات المديدة، وتصدير البيانات، وعقد المؤتمرات الصحفية، ولو كانت بلا معنى. وذلك الإدمان يكسر من عزلة فرضتها الدولة. وتلك الأحزاب لن تفرط بمكاسبها؛ فهي لا تستطيع حشد أي تظاهرة، ومن مصلحة الكهول استعادة أيام شبابهم لمخاطبة حشود جلها إسلاميون.

[email protected]