لمواجهة تداعيات "كورونا" الاقتصادية

كما ذكرت سابقا، فإن تداعيات كورونا الاقتصادية ستكون قاسية على معظم القطاعات الاقتصادية في المملكة، وهذا الأمر لا يشمل الأردن فقط، وإنما يمتد لكل اقتصاديات العالم التي بات واضحاً أن مشهد التباطؤ الاقتصادي بدأ يخيم على مشهدها العام، فما يجري اليوم في العالم من تراجع في الطلب وهبوط في الأسعار، خاصة النفط، وانهيار قطاعات كبيرة، سيجعل الاقتصاد العالمي حتماً يدخل بمنحنى خطير يسير باتجاه التباطؤ المؤدي في النهاية لركود عميق.اضافة اعلان
في الأردن لسنا استثناء من كل ما يجري حولنا، وهذا طبيعي، وسيعاني القطاعان العام والخاص الأمرين في الأشهر المقبلة، فالأمر ليس محصوراً بالقطاع الخاص، فالحكومة أيضاً ستواجه مشكلة كبيرة في تحقيق فرضياتها في الموازنة، والوصول إلى مستوى الإيرادات المحلية المُقدرة في موازنة 2020، والتي كانت حتى وقت تفشي كورونا بارتفاع إيجابي كبير هو الأكبر منذ 10 أعوام؛ حيث ارتفعت الإيرادات الضريبية من الذهب والمبيعات خلال الشهرين الأولين من هذا العام ما نسبته 22 بالمائة تقريباً، لكن من المرجح أن يعود هذا المؤشر إلى اتجاه سلبي في الفترة الراهنة نتيجة تداعيات كورونا التي شرحناها في مقال سابق.
داخلياً، الحكومة التي تدير مشهد التصدي لـ"كورونا" باقتدار عال إيجابي، يجب عليها إطلاق مبادرة وطنية لمواجهة التداعيات الاقتصادية لهذا الوباء على القطاعات الاقتصادية المختلفة، والخروج قدر الإمكان بأقل الخسائر التي لا يمكن لأي دولة تجاوزها مهما فعلت، لكن المشهد يحتاج إلى مرونة في سياسات وإجراءات رسمية لها اتصال يومي ومؤسسي مع أنشطة القطاع الخاص.
اليوم، عدد كبير من فعاليات القطاع الخاص نتيجة تراجع أنشطتها وهبوط الاستهلاك المحلي غير قادرة على دفع أقساط اشتراكات الضمان الاجتماعي للعاملين لديها، وهو ما قد يتطلب من الجهات المعنية بحث تأجيل دفعات الضمان الاجتماعي المترتبة على أصحاب العمل والعمال في المنشآت الاقتصادية كافة، بهدف توفير السيولة اللازمة لتحمل تبعات هذه المرحلة، وجدولة هذه المبالغ بصورة مريحة لاحقاً.
القطاع الزراعي اليوم بأمس الحاجة إلى دعم مباشر له نتيجة ما تعرض له من خسائر كبيرة جراء العاصفة الأخيرة، وهذا يتطلب من الحكومة تقديم دعم مالي له وتوفير نافذة تمويلية بأسعار فائدة مخفضة جداً وإعادة جدولة قروضه بشكل ميسر، لأنه في المحصلة قطاع حيوي ومهم للأمن الغذائي في المملكة.
الضرائب الشهرية على مختلف المنشآت، خاصة فيما يتعلق بضريبة المبيعات، هي الأخرى ضرورية من قبل ببحث إمكانية منح تسهيلات للمنشآت الاقتصادية المتضررة من كورونا وجدولة تلك الاستحقاقات، خاصة ضريبة المبيعات التي تدفع كل شهرين.
الحكومة اليوم مطالبة بالتدخل الإيجابي مع الجهاز المصرفي عن طريق البنك المركزي لدراسة تأجيل وإعادة جدولة للتسهيلات الائتمانية الممنوحة للمنشآت الأكثر تضرراً على غرار؛ السياحة، وتجارة التجزئة، والصناعة، بدون تحميلها أي كلف إضافية إلى حين تجاوز هذه الأزمة.
أيضاً، في ظل الوضع الاقتصادي المتردي لعدد من القطاعات الاقتصادية المختلفة، فإن الحكومة قادرة اليوم على توجيه مؤسسات الرقابة والتفتيش المختلفة بممارسة أعمالها بمرونة أكثر ومراعاة تحديات هذه المرحلة، بالتشارك والتشاور مع ممثلي القطاع الخاص، وبما لا يؤثر حتماً على جودة المنتج وحماية المستهلك.
المبادرة التي باستطاعة الحكومة إخراجها بالمشاركة مع القطاع الخاص مطالبة أيضاً بتوجيه الوزارات والمؤسسات الحكومية كافة التي يرتبط عملها وتؤثر قراراتها بشكل مباشر على المؤسسات المختلفة في القطاع الخاص، بضرورة إعادة النظر بممارساتها الروتينية، والإعلان عن قرارات خاصة لهذه المرحلة بالتشارك والتشاور مع ممثلي القطاع الخاص، وبما يضمن حقوق المنشآت الاقتصادية والعاملين خلالها.
ما نعيشه اليوم من تداعيات كورونا اقتصادياً هو حالة استثنائية خارج قدرات ومخططات الدولة، ولا يمكن أن نحمّل الحكومة أكثر من طاقتها، لكن بالتشاركية في مواجهة الوباء حتماً ستنخفض مخاطر وتداعيات كورونا الاقتصادية، ويخرج الجميع بأقل الخسائر.