مشاعر الحب داخل الأسرة.. غياب التعبير يهز أركان الأمان

Untitled-1
Untitled-1

مجد جابر

عمان- لا يدرك العديد من الآباء الأهمية الكبيرة للتعبير عن المشاعر للأبناء، وإظهار المحبة والود والحنان لهم. ورغم أنهم يعيشون كل الحياة من أجل تأمين حياة كريمة لهم، ويعملون ليل نهار من أجل مستقبل أفضل لهم، إلا أنهم لا يعبرون أبدا عن هذه المحبة الخالصة تجاه أولادهم، وقد يعتبرونها نوعا من الضعف.
تلك الحياة بين أفراد الأسر، يشوبها مع الوقت الكثير من الجفاء، ويصبح الإحساس بالآخر مغيب، وقد يكون التعبير عن حبهم لأبنائهم وخوفهم عليهم بطريقة صارمة أحيانا، وعدائية أحيانا أخرى.
دراسات عالمية نشرت، أبرزت الصلة الوثيقة بين المحبة والود اللذين يحصل عليهما الأطفال في الصغر وصحتهم وسعادتهم مستقبلاً. ووفقًا لمؤسسة Child Trends، فإن الدفء والمودة اللذين يعبر عنهما الآباء لأطفالهم، يؤديان إلى نتائج إيجابية مدى الحياة لهؤلاء الأطفال، وقد ارتبط ارتفاع هذا النوع من المودة بتقدير الذات وتحسين الأداء الأكاديمي وتحسين تواصل الوالدين والطفل، فضلاً عن وجود عدد أقل من المشاكل النفسية والسلوكية للأطفال.
ومن ناحية أخرى، فإن الأطفال الذين ليس لديهم آباء حميمون يميلون إلى أن يكون لديهم احترام أقل لذاتهم ويشعرون بأنهم أكثر عزلة وعدائية وعدوانية ومناهضة للمجتمع.
وقد ثبت أن مساعدة الوالدين على الارتباط العاطفي مع أطفالهم وشعور الثقة والدعم بينهما، تساعد الدماغ على إنتاج واستخدام الأوكسيتوسين مما يتسبب بشعور الطفل بمزيد من المشاعر الإيجابية.
وتصف العشرينية سلوى عبدالله نفسها بأنها فتاة "مرهفة الاحساس"، وتتأثر بأي كلمة ودائماً بحاجة لمن يشعر بها، غير انها وبالرغم من عدم شكها بحب والديها الكبير جداً لها، الا أنها تعتبرهما لا يتقنان أبدا كيفية التعبير عن المشاعر، إنما يعتبرانها نوعا من الضعف.
تقول سلوى إن والدها رجل صارم وحاد الطباع، ومن الصعب حتى المزاح معه، ويعتبر اظهار المشاعر هو أمر لا يليق بالرجال على الاطلاق، مبينةً أنها لا تذكر متى آخر مرة قام بعناقها أو "الطبطبة" عليها حينما تنزعج من أمر ما أو تقع بمشكلة معينة.
وتضيف أنها لا تقوم بالسلام على والدها أو والدتها سواء في الاعياد من باب الاحترام، وتحاول أحيانا التحايل على الموضوع والتهرب منه بشتى الطرق كونها لم تعتد أن تبادلهما هذه المشاعر رغم حبها الكبير لهما.
وتضيف أن والدتها اكتسبت ذات الطبع، فهي تعرف مدى حبها وخوفها الشديدين عليها، الا أنها تعبر عن ذلك بطرق بعيدة كل البعد عن الحنان والعناق، انما أحيانا تغضب منها اذا شعرت أنها ظلمت من شيء ما أو أخفقت، أو تأنيبها اذا مرضت، من شدة خوفها عليها، فالتعامل مع المواقف الصعبة التي تحصل معها يكون بشكل عكسي من قبل والديها، كما تقول.
ولعل رضا هي واحدة أخرى تفاجأت كثيرا عندما قامت بزيارة الى منزل احدى صديقاتها لتناول وجبة الغداء معها، وخلال اجتماع العائلة لاحظت أن جميع الابناء حينما دخلوا الى غرفة الطعام تبادلوا السلام مع والدهم ووالدتهم وقاموا بمعانقتهما، وهو الأمر الذي جعلها تسأل صديقتها اذا كان أحدهم مسافرا أو لم يروا والدهم منذ مدة طويلة. وتفاجأت رضا كثيراً عندما علمت أن هذا الأمر يحدث باستمرار، وأنهم اعتادوا على ذلك منذ الصغر.
رضا استغربت من هذه الطقوس فهي لم تعتد عليها في منزلها على الاطلاق منذ الصغر، مبينةً أنها قد تسلم على والدها أو والدتها فقط اذا سافر أحدهما مدة طويلة، أو في المناسبات الخاصة جداً مثل الأعياد فقط لا غير.
وفي ذلك، تذهب دكتورة الإرشاد التربوي والنفسي والمتخصصة في العلاقات الزوجية، سلمى البيروتي، أن هناك حاجة ولدت عند كل شخص بالفطرة وهي حاجة المودة، خصوصاً عند الطفل عندما يولد، مبينة ان المشاعر مهمة جدا في الحياة سواء بنبرة الصوت الحنونة وتفهم مشاعر الآخر والشعور بالدفء والامان العاطفي.
وتشير الى أن هذا أمر مهم جداً بين أفراد العائلة، واذا لم يكن موجودا فإن النتائج تكون سلبية، فالاحساس بالثقة والامان ينتج من خلال التواجد العاطفي للأهل لدى ابنائهم، مبينةً أنه أحيانا اللمسة الحنونة والعناق يترك أثرا نفسيا كبير على الشخص، وهو أمر جيد وضروري للتواصل والتعبير عن المحبة والمودة والتقبل. وتلفت إلى إلى أنها عادات جيدة وتعطي روح جميلة في البيت وتبث الطمأنينة والاستقرار النفسي في أجواء العائلة.
وفي ذلك يذهب الاختصاصي النفسي والتربوي الدكتور موسى مطارنة أن المشاعر الانسانية حالة تفاعلية وهي نتاج روحي من احساس الشخص بالآخر ولا بد من اشباع هذه الحالة والتفريغ الانفعالي، مبينا أن الكبت يسبب الضغط النفسي وهو أمر سلبي على المدى البعيد.
ويعتبر مطارنة أن الأشخاص الذين يكبتون مشاعرهم ويخفونها يعانون باستمرار من حالة عصبية وحالة من التوتر ايضا، مبيناً أن التعبير عن المشاعر بين أفراد الأسرة يعطي الانسان الشعور بالراحة والأمان.
ويذهب مطارنة إلى أن المشاعر تعبير انساني له انعكاسات ايجابية عن الشعور بالطمأنينة والراحة والقوة والترابط بين أفراد العائلة.
وفي ذلك يذهب الاستشاري الأسري أحمد عبدالله، أن التعبير عن المشاعر بين أفراد الأسرة أمر ضروري، لأنه يحقق عدة أهداف، ويحقق الشعور بالأمان، ويعطي شعورا بالدعم والسند.
ويضيف أن عناق الأبوين للأبناء ينقل الشعور بالدعم والمؤازرة ويؤدي الى الشعور بالألفة، كما أكدت الكثير من الدراسات بأن التعبير عن الحنان والمشاعر بين أفراد الأسرة والإحساس بالآخر هو المفتاح الأساسي للاستقرار النفسي.

اضافة اعلان