بين الإدمان والتحكم.. كيف يعيد الأهل النظر باستخدامات الأبناء لمواقع التواصل؟

تعبيرية
تعبيرية

مع ازدياد انغماس الأطفال في عالم مواقع التواصل الاجتماعي، التي باتت تحتل جزءا هائلا في حياتهم اليومية، سواء على صعيد الدراسة أو الترفيه، تجاوز استخدامهم لهذه المنصات حد ما هو معقول، ليصبح هاجسا قد يهدد سلامتهم النفسية والاجتماعية.

اضافة اعلان


تمرد وعنف وشخصيات غريبة، وفجوة تتزايد بين الأجيال تدفع الآباء لإعادة تقييم استخدام مواقع التواصل الاجتماعي والمساحة التي يمنحونها لأبنائهم في استخدام هذه المواقع.


يؤكد العديد من أولياء الأمور أن منع أبنائهم من استخدام مواقع التواصل الاجتماعي بات أمرا صعبا، حيث باتت هذه المنصات جزءا لا يتجزأ من تفاصيل حياتهم اليومية ودراستهم. ولكن، يدرك الكثيرون أن الغياب عن استخدام هذه المنصات قد تجعل أبناءهم يشعرون أنهم أقل من غيرهم. لم يكن قرار ابتسام رياض بمنع ابنها (14 عاما) من استخدام مواقع التواصل سهلا، لكنه جاء بعد ملاحظتها لتغيير كبير في شخصيته وسلوكه مع العائلة.


ازدادت مخاوف ابتسام عندما لاحظت عنادا غير منطقي وقلة تهذيب في ردود ابنها إضافة لعلو بالصوت، وتصرفات غريبة لفتت انتباهها. دفعها ذلك إلى البحث في حساباته على مواقع التواصل الاجتماعي، محاولة فهم هذه التغييرات المقلقة، على حد تعبيرها.


لم تكن التغييرات السلوكية لابن ابتسام الأمر الظاهر فقط، بل كان تراجع تحصيله العلمي هو ما دفعها إلى اتخاذها قرارا حاسما بمنعه من استخدام مواقع التواصل الاجتماعي.


أمام هذا الواقع، تواجه ابتسام معضلة حقيقية: متسائلة: هل كنت مخطئة بالسماح له استخدام هذه المنصات وهل منعه سيكون له نتيجة؟


يواجه مراهقون ويافعون اليوم عالما مفتوحا من دون ضوابط واضحة، ما يجعل استخدامهم لمواقع التواصل الاجتماعي سلاحا ذا حدين. فمن ناحية، تتيح هذه المنصات فرصا للتواصل وتبادل الأفكار والتعلم. ولكن من ناحية أخرى، تشكل خطرا حقيقيا بحسب دراسات تؤكد بتعرضهم للاكتئاب والقلق والعزلة.


يطلق خبراء على جيل الأطفال والمراهقين المدمنين على مواقع التواصل الاجتماعي اسم "جيل السوشال ميديا". لكن هذا الاسم يحمل في طياته الكثير من المخاطر، فالعالم الافتراضي الذي يسيطر على عقول المراهقين بات يشكل سببا مباشرا لحالات الاكتئاب، بل يتعداه ليصل حد إيذاء النفس الناتج عن الاضطراب النفسي، كما يحذر خبراء الجمعية الوطنية البريطانية.


ارتفاع مخيف في حالات إيذاء النفس بين الأطفال، رصدتها الجمعية الوطنية البريطانية خلال العامين الماضيين بزيادة بنسبة 14 % في عدد الأطفال الذين أدخلوا إلى المستشفيات جراء جرح أو تسميم أنفسهم. وتشير البيانات إلى أن قرابة 19 ألف طفل ألحقوا الأذى بأنفسهم خلال تلك الفترة.


وأشار خبراء إلى أن مواقع مثل فيسبوك وتويتر وإنستغرام تسهم بشكل كبير في ارتفاع حالات الإيذاء الجسدي، إذ إن الساعات التي يقضيها المراهق في العالم الافتراضي تؤدي إلى خلق فجوة بين المتخيل والواقع لا يتيح له عمره الصغير التأقلم معها.


يواجه مهند علي صعوبة حقيقية في السيطرة على استخدام أبنائه لمواقع التواصل الاجتماعي، التي باتت جزءا لا يتجزأ من حياتهم. ويزداد الوضع تعقيدا عندما يدرك مهند أن كل من حول أبنائه، سواء من أقرانهم في المدرسة أو أفراد من العائلة، يستخدمون هذه المنصات بكثرة، مما يجعل تراجعهم عنها أمرا صعبا للغاية.


ويعبر مهند عن هذا الواقع بقوله: "الصعب بالأمر أنه لا أحد يريد أن يخالف تيار العصر، وأبنائي يحاربونني في كل خطوة أخطوها لتحديد استخدامهم لهذه المنصات". ويضيف: "أحيانا أفكر أن الخطأ من الأساس هو بالسماح لهم باستخدام هذه المنصات التي لا تحكمها أي ضوابط."


تواجه الأسر اليوم تحديا هائلا مع ازدياد انتشار مواقع التواصل الاجتماعي بعيدا عن ضوابط واضحة، وفق أخصائية الإرشاد النفسي والتربوي الدكتورة سعاد غيث، فالكثير من الدراسات أشارت إلى أن العمر المناسب لإعطاء الطفل هاتفا ذكيا  13 و14، إلا أن هذه الفترة العمرية قد أثبتت فشلها حيث يظل الطفل في عداد الأطفال، حتى وإن كان في مرحلة "طفولة متأخرة".


مرحلة المراهقة، التي تتميز بصعوبتها، تصبح أكثر تعقيدا مع انتشار مواقع التواصل الاجتماعي. فهي انتقال من الطفولة إلى المراهقة، تحدث تحولات هرمونية ونفسية تؤثر على سلوكهم وطريقة تفكيرهم وتعاملهم مع المحيط، مما يجعلهم أكثر عرضة للتأثيرات وبحاجة لمراقبة وعناية. في هذه المرحلة، قد يحصل تمرد لدى الطفل، فيصبح بذلك أكثر عرضة لأن ينساق.


تحذر غيث من استخدام الوالدين للأجهزة الذكية كوسيلة لإلهاء أبنائهم، مؤكدة على أن هذا السلوكِ الخاطئ يؤثر سلبا على مهارات الأبناء وشخصيتهم، مشددة على ضرورة إعادة ضبط علاقة الأبناء بمنصات التواصل الاجتماعي، التي باتت عالما مفتوحا يستخدمه نسبة كبيرة من الأطفال واليافعين.


وكما تقول؛ فإن الدور المشترك للبيت والمدرسة يزيد رفع وعي الأطفال بخطورة منصات التواصل الاجتماعي، مشددة على أن الوقت ما يزال غير مناسب لهم للدخول إلى هذه العوالم الافتراضية.


غيث تؤكد على ضرورة تصحيح وجهة نظر بعض الآباء الذين يعتقدون أن إيقاف استخدام أبنائهم لمنصات التواصل الاجتماعي والهواتف الذكية أمر صعب، فالخطأ في المقام الأول يكمن في السماح للأطفال والمراهقين بالدخول إلى هذه المنصات، لكن هذا لا يعني أنهم عاجزون عن تصحيح هذا الخطأ.


ويرى التربوي الدكتور عايش نوايسة أن الثورة التكنولوجية وانتشار مواقع التواصل الاجتماعي والتطبيقات المرتبطة بها، منح للأطفال فرصة المشاركة المباشرة في صناعة المحتوى ومشاركته مع الآخرين.


وقال نوايسة "انعكس هذا التحول بشكل كبير على سلوك الأطفال، وأصبحت العلاقة مع مواقع التواصل تصل إلى درجة الإدمان اليومي ولساعات طويلة. ورافق ذلك صعوبات لدى الأهل في مراقبة المحتوى، وما يشاهده الأبناء نتيجة ظروف اقتصادية واجتماعية ترتبط بانشغال الأهل في العمل وفي تحقيق متطلبات الحياة".


ويضيف نوايسة أنه لا بد من إعادة الهيبة إلى الأسر ودور الأم والأب في تربية الأبناء وتوجيههم نحو الطريق القويم من خلال الاستخدام المقنن والموجه لمواقع التواصل والتطبيقات المختلفة، وتنبيههم إلى التأثيرات السلبية الصحية والاجتماعية الناتجة عن الاستخدام المفرط لهذه المواقع، وضرورة شرح أخطار المشاركة في التحديات الرائجة عبر مواقع التواصل.


ويشدد النوايسة على ضرورة جعل الأبناء يوظفون هذه التقنيات والمواقع الإلكترونية بما ينعكس على تحسن تعلمهم وإضافة مهارات جديدة، ولا بد من مشاركة الأبناء في معالجة السلبيات الناتجة عن استخدام هذه المواقع.

 

اقرأ أيضاً: 

كيف تبعد طفلك عن "السوشيال ميديا" وقت المذاكرة؟