"مش شغلك يا محمد"؟

مشهدان أقلقا مزاج مواطنين غيورين على الحالة النفسية والعصبية للشعب. في الإجازة التي كان من المفروض أنها للراحة والاستجمام؛ معلمة تعنف طفلا بألفاظ قاسية وأسلوب مرعب وتهدده بأنها “ستسخطه”، ومسؤول يسكت رجلا مشتكيا بتعبير مختصر مفيد “مش شغلك يا مواطن”!اضافة اعلان
مفارقة تجعل المراقب يتساءل بجد، ما الذي أدى الى ماذا؟ من يسبق من في تحمل وزر ما يجري مع الناس هنا؟ هل الكبت والقهر وتكميم الأفواه هو السبب في تسيد سلوك العنف والتنكيل بالأضعف والأصغر، أم أن الضعيف حين يقوى والصغير لما يكبر يسترجع مفردات التنمر والاستقواء ثم يبدأ رحلة الانتقام؟!
في القصة الأولى كان واضحا منذ البدايات كيف ستكون النهاية، خصوصا وأنه لا رد فعل مسجلا لدى أهل الطفل المعنف، تم رصده أو العلم عنه. وهذا أمر وإن يبدو في الظاهر شخصيا وأسريا، لكن ردود الفعل الواسعة والتي اتسمت معظمها بالغضب حول ما أصاب الطفل في احتفالية ذكرى المولد النبوي الشريف، تشي بتبدل وجهة نظر المجتمع في غالبيته نحو حقوق الأطفال وكرامتهم وصحتهم الجسدية والنفسية. وإن كان استثمار وزير التربية والتعليم قد جاء في محله عندما وجه خطابا شديد اللهجة، للتجارب المماثلة في رياض ومدارس الصغار، ومن قبله ومن بعده آراء ومقالات ومشاركات تواصلية تندد بالعلاقة ما بين المعلم والتلميذ في بعض المدارس، والقائمة على إهانة جسده الصغير، وترهيب أوصاله الضعيفة، لينمو ويترعرع في مجتمع يقبل بالتنكيل و”يصفح” عن حقوق الإنسان البسيطة، لتغليب “قيم” أكل عليها الدهر وشرب، وفي طريقه قضم من دفاتر مذكرات طفولتنا مساحات كانت وردية بريئة عفوية، إنما كانت أيضا لتقود أجيالا بكاملها الى معاني الحرية والثقة بالنفس واحترام الآخر، والتعبير عن الذات والانطلاق نحو الدروس الأولى لطريق الديمقراطية والكرامة الإنسانية.
لا أجد فرقا واضحا ما بين “محمد” الطفل الصغير الذي خرج على جوقة النشيد المحفوظ صما، والحركات الاستعراضية البدائية ذاتها، ليظهر العدد مكتملا ومنظما وسعيدا بالمرة أمام شاشة مجموعة الأمهات الراضيات على أداء، وتفاني المعلمة، وما بين الشعب الذي يرغب أحيانا أن يغني خارج الفرقة ليهرب من رتابة النوتة وجفاف القوافي الموزونة.
كلاهما عليه أن يسكت حين يبدأ الغناء، وكلاهما عليه أن يعرف بأن العرض الأخير سيكتمل بوجوده أو عدمه، وأنه حين يختار الخروج على النص لن يحجز لنفسه مقعدا في العرض الأخير!
سيكبر الطفل سريعا وتغيب الذكرى عن قشرة دماغه السطحية، حين ينمو رأسه. لكن هناك في الباطن سيترعرع غضب صغير في اللاوعيه، تجاه أي بادرة تربك الصف أو تكركب وقع النشيد، وسيمنع بكل ما أوتي من عزم وسلطة أي كلمة أو حركة أو حتى فكرة، تعتقد بأن مواطنا يختلف معه في الرأي وفي الوقت نفسه، يفهم شغله!