وقفة مع نتائج الانتخابات العراقية قبل الانتخابات البرلمانية

ان انتخابات مجالس المحافظات، وما يعقبها من نتائج ومتغيرات انتخابية، الى جانب اغنائها  للتجربة الديمقراطية الوليدة في العراق، سوف تترك بصماتها بصورة مباشرة على اصطفافات الاحزاب السياسية، وعن طريق هذه الاحزاب، تتأثر السلطة السياسية والاداء الحكومي، بسياسات الاحزاب الفائزة، ومن ثم تؤثر على كيفية صرف الميزانية ونوعية المشاريع وجودة الخدمات في مختلف ارجاء المحافظات بصورة عامة؛ وعلى وجه الخصوص، في محافظات (الموصل، ديالى، صلاح الدين) حيث ان نتائج الانتخابات تؤثر على مصداقية ومعايير تنفيذ المادة (140) في المناطق المتنازعة عليها في تلك المحافظات. بالاضافة الى ان هذه الانتخابات، لها تأثير واضح على الرأي العام في الانتخابات البرلمانية العراقية المزمع عقدها في نهاية هذا العام. خاصة، في هذه الانتخابات، برزت ظاهرة سياسية واجتماعية ووعي ديمقراطي وانتخابي جديد، حيث تراجع وزن وتأثيرات الأحزاب الدينية والمذهبية عكس ما كانوا يتوقعونه، وبعكس ذلك، تقدمت الى حد ما الاحزاب العلمانية ذات الفلسفات الوضعية، بل وشخصيات مستقلة داخل قلاع الأحزاب المذهبية، كما حصل في كربلاء على سبيل المثال!

اضافة اعلان

التحالف الكردستاني، وظف كل امكانياته في هذه الانتخابات، وكان محقا في ذلك. واثبتت نتائج الانتخابات احتفاظه بمكانته السياسية داخل الرأي العام. هذا في حين ان اكثرية القوائم الاخرى، نتيجة جملة من الممارسات الخاطئة وعدم تحقيق الوعود التي قطعتها للجماهير في الانتحابات السابقة، وبقائها داخل الدائرة المذهبية المغلقة، نتيجة لكل ذلك تراجعت شعبيتها واستحقاقها الانتخابي. وفي السياق هذا، ان اي مواطن، او عائلة، او مؤسسة ثقافية، او اي كاتب يمتلك الادراك العقلاني للمعادلات السياسية الحالية، في العراق وكردستان والمنطقة، إن ادى دوره باخلاص في هذه الانتخابات، فقد سجل في مشاركته هذه، مفخرة انتخابية في المعركة الديمقراطية الحالية المتشعبة الجوانب والمتعددة المهام. وبخلاف ذلك، عدم فهم المعادلات السياسية الحالية، وخلق الذرائع والاوهام، او حتى بسبب بعض الانتقادات الصائبة حيال السلطة والاحزاب، للتهرب من الانتخابات، من دون اي شك هذه الذرائع والاوهام توضح بأن الذين تهربوا من اداء واجبهم الوطني، كم هم مهمشون عن الاحداث، بل عن انفسهم بالذات.

نتائح الانتخابات هذه المرة، في بعض الجوانب تختلف عن سابقتها عام (2005). والسبب يعود لأن كل القوى السياسية وخاصة السنية منها، قد شاركت فيها، وفي نفس الوقت تشتت ائتلاف القوى الشيعية، وظهرت مئات القوائم والآف المرشحين في التنافس الانتخابي.

انشقاقات القوى السياسية الشيعية، والمشاركة الفاعلة للسنة، وبقاء التحالف الكردستاني متماسكاً ومهيمناً على الرأي العام الكردستاني، تعد من اهم الثوابت والمتغيرات في العملية الانتخابية الحالية. نتيجة لذلك، فإن رئيس الوزراء العراقي قد استفاد من موقعه على رأس الحكومة، وكذلك من تشتت الخطاب السني والشيعي وتشكيله لمجالس الاسناد وقيامه ببعض الخطوات والخدمات لعامة الشعب والقوات المسلحة ودغدغته للمشاعر العروبية، وفي نفس الوقت اثبات جدارته في محاربة الارهاب؛ كل هذه الامور ساعدت قائمة ائتلاف دولة القانون للفوز. اما السنة وخاصة الحزب الاسلامي، فقد احتفظوا بوزنهم السياسي لحد ما ولكن لم يحصلوا على النتائج التي كانوا يتوقعونها. وكذلك حركة الوفاق الوطني واياد علاوي على الرغم من مشاكلهم، استطاعوا البقاء كقوة مؤثرة في الساحة بعكس ما كان ينتظره المراقبون السياسيون، وبهذه النتائج اضافوا رصيدا سياسيا اضافياً الى المعادلة السياسية الذي هم طرف مهم فيها خاصة في وسط العراق وبصورة اقل في جنوبه.

المعلومات الاولية تبين بأن قائمة (ائتلاف دولة القانون – المالكي) في مقدمة القوائم وضمنت الفوز، وفي الموصل قائمة (الحدباء – القوميين والبعثيين)، وفي ديالى (التوافق) وفي تكريت (جبهة توافق صلاح الدين) حققوا الفوز، والتحالف الكردستاني ايضاً، حقق فوزاً كبيراً في محافظتي ديالى و نينوى.

وبذلك: على المستوى العراقي، من الآن فصاعدا فإن رئيس الوزراء العراقي، استقواء بالنتائج المرضية التي حققها، ولو ان قائمته لم تحصل على ربع نسبة المشاركين، وعلى اقل من واحد من عشرين بالمئة من اصوات الناخبين. مع هذا وذاك، رئيس الوزراء واعتمادا على الصدارة الانتخابية بإمكانه أن ينفذ برامجه وقراراته بثقة اكبر، من السنوات السابقة، لو استمر على قناعاته السياسية الحالية، خاصة في المجالس التي حصل على الاكثرية فيها. وهذا بحد ذاته خطأ سياسي كبير. بالاضافة الى ان المالكي حسب برامجه واجنداته السياسية، اذا توفرت لديه الفرصة المناسبة، بدون شك سيسعى الى تعديل الدستور بصورة تقوي مركزية السلطة في بغداد، على حساب الصلاحيات الفدرالية والمكتسبات الديمقراطية. وسبق أن اعلن عن ذلك في العام المنصرم.

وفي المناطق المتنازع عليها، من المتوقع هذه المرة، ان يتقدم المالكي ببرنامج عسكري وسياسي اكثر قوة و صرامة، مستفيدا من درس احداث خانقين في الصيف من العام الماضي.

في مقابل كل هذه الاحتمالات، من الضروري على التحالف الكردستاني بتحالفه مع الاحزاب المعارضة الجادة الاخرى، ابداء موقفه الواضح عن السياسات السابقة في هذه المحافظات، المتواجدة فيها بعض المناطق المتنازع عليها، وابداء موقف جماعي يأخذ بنظر الاعتبار المخاوف السياسية والاقتصادية والعسكرية التي ستظهر بعد الانتخابات. وفي الوقت نفسه، ان يستعد بصورة افضل لانتخابات محافظة كركوك، خاصة في مجال الخدمات، والعلاقات المصيرية مع العرب الاصليين من سكان المحافظة والتركمان والكلدوآشور.

من الآن فصاعدا، فان الباب قد فتح على مصراعيه لكل الاحتمالات الايجابية والسلبية منها. وفي مقابل كل هذه المخاطر، يجب ان تتوافر برامج دقيقة ومتنوعة، ولا يجوز ان ننتظر وقوع الاحداث، او النظر اليها من دون برنامج متمعن. الاستعدادات المسبقة ضرورية جدا، خاصة بانه الى جانب نتائج الانتخابات، والتي لم تكن بالصورة المتوقعة، الاوراق الاخرى عديدة ايضا مع مختلف الاطراف السياسية، مع (التوافق) و (الوفاق) و (المجلس الاعلى) وبقية الاطراف والشخصيات السياسية. وهناك احتمالات قوية حيث على ضوء نتائج الانتخابات، تبرز تحالفات جديدة وانقسامات جديدة ايضاً، لأنه لحد الآن، قائمة رئيس الوزراء داخل البرلمان العراقي، لاتتجاوز العشرين مقعداً. على ضوء كل هذه المعطيات السياسية الحساسة والمصيرية، بامكان التحالف الكردستاني والقوى المعارضة فى العراق، ان يتفقوا على ايجاد حل سياسي وموضوعي لانقاذ الوضع السياسي العراقي من الانزلاقات الخطيرة، التي تعمل بعض القوى، منذ مدة بدفع الوضع السياسي الى هذا المنزلق السياسي الخطير. مما لاشك فيه ان قائمة ائتلاف دولة القانون هي في صدارة نسبية قليلة في الانتحابات، ولكن في نفس الوقت، فإن حزب دولة رئيس الوزراء العراقي الحالي، يواجه معضلات كثيرة، مع اكثرية القوائم البرلمانية والاحزاب السياسية والشخصيات التكنوقراطية، خاصة فيما يخص الاداء الحكومي والخدمات والاعمار ومحاربة الفساد والتعامل مع الجيش والشفافية والعلاقات العربية والاقليمية والاسلامية...الخ ، وهذا يتيح  للقوى المعارضة الفاعلة على الساحة السياسية والبرلمانية، الفرصة بعقد اتفاقيات وقتية، او متينة، بعيدة عن المناورة السياسية مع المالكي، على مختلف المسائل السياسية العراقية المصيرية، ومن ضمنها تطبيق المادة (140) من الدستور. في حالة استحالة بلورة افكار جديدة، لتحالفات جديدة، مع تطبيق هذه التحالفات وايجاد آليات عملية لكيفية اتخاذ الخطوات اللازمة للأتفاقيات، في حالة غير مرجوة كهذه، بالطبع الحرص على سلامة المسيرة الديمقراطية العراقية، يستوجب جرأة سياسية لحل العقدة المستعصية وان يصدر القرار النهائي على مستقبل رئيس الوزراء وسياساته في العراق وكردستان، وذلك بتحديد الموقف النهائي والحاسم من الاداء الحكومي واداء قنواته التنفيذية.

في ظرف كهذا، من المضر ان يهدر المزيد من الوقت لبلورة المواقف الصائبة، للمرحلة الراهنة، قبل اجراء الانتخابات التشريعية العراقية فى نهاية العام الحالي، سواء باتفاقية جديدة مستندة على الدستور الدائم او بسحب الثقة من الحكومة، كحق ديمقراطي ودستوري. اي اهمال متعمد تحت ذرائع مسايرة الوضع السياسي، تفاديا لتفاقم المشاكل، سوف يؤدي الى مستقبل مجهول ومخيف يحدق بجميع الاطراف، وخاصة في الانتخابات البرلمانية القادمة، في نهاية العام الحالي.

* مفكر سياسي كردي