أسواق النفط: معادلة جديدة

محمد عاكف الزعبي

من يسيطر على أسعار النفط؟ قبل العام 2015 كانت الإجابة عن السؤال السابق بديهية؛ إذ لا يستطيع أحد أن ينكر أنه حتى ذلك العام، كانت لمنظمة أوبك اليد الطولى بالتحكم في أسعار النفط.اضافة اعلان
بعد العام 2015، تغير المشهد ولم يعد لمنظمة أوبك القوة التي كانت لها قبل ذلك العام. لم تكن أوبك تتوقع أن تفقد سيطرتها المطلقة على أسعار النفط. وإذا ما تتبعنا تطورات الأحداث التي قادت إلى خسارة أوبك لموقعها شبه الاحتكاري في أسواق النفط، وجدنا أن السبب الرئيسي وراء الخسارة هو سياسات أوبك نفسها.
لفترة طويلة من الزمن، استطاعت منظمة أوبك بقيادة المملكة العربية السعودية أن تحافظ على أسعار النفط عند مستويات مرتفعة جدا. خلال تلك الفترة، استفادت الدول المكونة لتجمع أوبك أيما استفادة، واستطاعت أن تجني أرباحا طائلة انعكست على ميزانيات تلك الدول، بالأخص الخليجية منها، على شكل فوائض مالية ضخمة.
لكن قائمة المستفيدين لم تقتصر على المملكة العربية السعودية وشركائها في منظمة أوبك، بل امتدت لتطال منتجي الصخر الزيتي في الولايات المتحدة الأميركية؛ حيث وفر ارتفاع أسعار النفط واستقراره عند مستويات مرتفعة، مناخا مثاليا لهم للنمو والازدهار؛ إذ وجدوا في المناخ السعري الذي وفرته لهم سياسات أوبك فرصة سانحة لاستقطاب الاستثمار في قطاع الصخر الزيتي والتكنولوجيا المستخدمة لاستخراج النفط منه.
وهذا ما كان؛ حيث ارتفع إنتاج الولايات المتحدة من النفط (المستخرج من الصخر الزيتي) خلال 5 سنوات فقط بحوالي الضعف (9.5 ملايين برميل يوميا في العام 2015 مقابل 5.5 ملايين برميل فقط في العام 2010).
هذا الارتفاع المضطرد في إنتاج الولايات المتحدة الأميركية جعل أوبك تدرك الفخ الذي وقعت فيه (أو للدقة: أوقعت نفسها فيه)، فحاولت تدارك الأمر وخاضت حربا ضروسا للحفاظ على حصتها السوقية والقضاء على قطاع الصخر الزيتي، لكن محاولاتها جاءت متأخرة وباءت بالفشل؛ إذ أصبحت صناعة الصخر الزيتي واقعا موجودا بمعداته وآلياته واستثماراته الرأسمالية على اختلافها، وقد استطاعت هذه الصناعة بفضل التطور التكنولوجي أن تفرض نفسها لاعبا أساسيا في أسواق النفط لم يعد بالإمكان تجاهله أو القضاء عليه.
جشع أوبك، وقصر نظرها، خلقا لها عدوا صلبا قادرا على ملء أي فجوة أو تقليص أي فائض قد ينشأ عن سياساتها، وقد استطاع هذا العدو خلال فترة زمنية قياسية أن يجرد أوبك من القوة الاحتكارية التي كانت لها وحكمت بموجبها أسواق النفط لعقود طويلة.
العلاقة بين أوبك ومنتجي الصخر الزيتي تطورت بشكل غريب فعلا؛ أولا: تجاهل وعدم اكتراث مكنا العدو من الوقوف على قدميه، ثانيا: حرب للقضاء على عدو تبين أنه أقوى بكثير مما كانت أوبك تتوقع، وأخيرا بحث عن صيغة للتعايش بين أوبك والعدو الذي خلقته بيديها.
المستفيد من تجاذبات أوبك وعدوها اللدود هو المستهلك. ذلك أن معادلة سوق النفط الجديدة التي فرض فيها الصخر الزيتي نفسه رقما أساسيا، سوف تضع، باعتقادي، مدى سعريا توازنيا جديدا لبرميل النفط سقفه الأعلى 60 دولارا. فوق هذا المدى السعري سوف تخسر أوبك من حصتها السوقية لصالح منتجي الصخر الزيتي، أما تحته فسوف تكسب دول أوبك المزيد من الحصص السوقية، لكن على حساب ميزانياتها التي سوف تغرق في العجوزات المالية.