الانقلاب السعودي الكبير،،،

سائد كراجة السعودية تتموضع مع دول العالم الكبرى، وتصنع وتساهم مساهمة فعالة في الحدث السياسي المحلي والإقليمي والعالمي، هذا التوصيف ليس من باب مديح المدّاحين والشعراء، بل هو تأصيل سياسي لفهم وقراءة الاتفاق السعودي الإيراني المعلن عنه مؤخرا برعاية صينية، ما حدث ويحدث في السعودية من « ثورة بيضاء بعين حمراء» يُدرس في مجال الإصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي، فيبدو أن رؤية 2030 ليس رؤية باستبدال الاقتصاد المعتمد على النفط باقتصاد منتج متكامل فقط، بل هي رؤية لدور قيادي في المنطقة والعالم العربي وتغيير معادلات المنطقة السياسية والاقتصادية والاجتماعية! الاتفاق السعودي الإيراني كان أملا لكثيرين، وقد اقترحه كثير من المراقبين والمحللين السياسيين، فلطالما دعوا لمصالحة سعودية إيرانية تقلب موازين السياسة والاقتصاد في المنطقة، ولكن معظمهم استبعد التوصل له باعتباره يتناقض مع ارتباطات السعودية وبقية الدول العربية وخاصة مع أميركا، من هنا كان الانقلاب انقلابا في تقييم المراقبين والمحللين السياسيين لدور السعودية المعاصرة، انقلابا لمراجعة الفهم السياسي للسعودية المعاصرة اقتصاديا وثقافيا واجتماعيا وعسكريا، والذي عنوانه الأهم تحريك دفة التحالفات السياسية للدولة السعودية حسب مقتضى مصالح الدولة جميعها، وعدم الارتهان لقطب سياسي دولي واحد في اتخاذ القرارات، وتقدير حقيقة إمكانيات الدولة السياسية والاقتصادية والتصرف على أساسها! الاتفاق السعودي الإيراني الذي بدأ في عُمان والعراق يعد اختراقا لملفات ساخنة، فهو وعد بإنهاء حرب اليمن ووعد بعودة سورية من الباب الأوسع لمكانها بين الدول العربية، وهو إسقاط لمشروع التطبيع المجاني مع الكيان الصهيوني وبالتالي إعادة القضية الفلسطينية باعتبارها قضية العرب الأولى، وهو انفراج حقيقي في أزمة الحكم في العراق ولبنان، فإن عنوان الاتفاق الأهم - كما أعلنت عنه السعودية- هو إعادة السفارات على قاعدة حسن الجوار وعدم التدخل في شؤون دول الجوار وليس فقط عدم التدخل في شؤون السعودية! خليجيا آملُ ألا يستقبل هذا الاتفاق « بغيرة سياسية» بل باعتباره إنجازا خليجيا وفرصة لدول الخليج لتحقيق مجلس التعاون الخليجي على غرار الاتحاد الأوروبي، وتحقيق تكامل سياسي وعسكري يقوم كقوة ردع في مواجهة خطر أي دولة مجاورة ومنها إيران ويحول الموارد لبناء اقتصاد فاعل غير ريعي، الأمر الذي يعد قوة للعالم العربي ولقضية العرب الأولى قضية فلسطين، ويسقط « الحاجة» لدولة إسرائيل ومن وراءها أميركا في حماية الخليج العربي على مستوى الهلال الخصيب قد يكون هذا الاتفاق مدخلا لإعادة إحياء مشروع وحدة عربية بين دول المنطقة (الأردن وفلسطين والعراق وسورية ولبنان) على أسس مختلفة عن تجارب الوحدة السابقة، مشروع وحدة قائم على تحقيق مصالح اقتصادية وعسكرية وسياسية مشتركة واحترام متبادل للدول الوطنية وترسيخ لمصالح شعوب المنطقة في الحرية والديمقراطية والتكامل الاقتصادي والسياسي، واستبدال النزاع الشيعي السني المزيف إلى تعاون دول مدنية تحتفي بالتنوع الثقافي والديني والإنساني لشعوبها. أردنيا كنا وما نزال نرحب بالدور السعودي في المنطقة وأعتقد أن الأردن يجب أن يبني على منهجية الاتفاق السعودي الإيراني نحو توسيع تحالفاته السياسية والاقتصادية خاصة وأن الاتفاق نفسه سوف يعجل في تنشيط وتأهيل مصالح الأردن الاقتصادية مع العراق وسورية وربما إيران نفسها، فقد يكون من المناسب إعادة التفكير في استغلال موارد السياحة الدينية أيضا! هل أبدو متفائلا أكثر من اللازم؟ ممكن!، ولكن لو قلت لك قبل عقد من الزمان أن السعودية ستحدث هذه «الثورة البيضاء بعين حمراء» على مستوى السعودية والعالم لكنت اتهمتني بالمبالغة وعدم الواقعية، أهلا بالسعودية في قيادة مشروع عربي نحو الاستقلال الاقتصادي والسياسي وإلغاء سياسة التحالف مع قطب واحد وخاصة أميركا، والقادم أفضل قولوا آمين جنابكم. المقال السابق للكاتب ما آل إليهم من الخوفاضافة اعلان