التعليق على مظهر الآخرين.. عيوب فكرية وذهنية!

MCT
MCT

مجد جابر

عمان- لم يتوقف العشريني مراد عن تذكر أحد المواقف التي ما تزال حتى الآن تؤثر فيه بشدة، وتسبب له عذاب ضمير، الأمر الذي جعله يتعلم درساً لم ينسه بسبب هذه الحادثة.
في أحد الأيام كان خارجاً برفقة أصدقائه، شاهدوا في طريقهم فتاة في الشارع وقد قامت بحلق شعرها كاملا على الصفر، الأمر الذي جعلهم يمشون خلفها طوال الوقت منهالين عليها بالتعليقات والغمز واللمز بسبب ستايلها الغريب.
غير أن ردة فعل الفتاة المفاجأة وقعت عليهم مثل الصاعقة، حيث التفتت اليهم بعد أن أنهوا كل تعليقاتهم ليبدوا على وجهها علامات الانزعاج، وانهالت عليهم بالصراخ، وكأنها فقدت أعصابها تماماً، ليتبين لهم انها تتعالج بالكيماوي وهو السبب وراء تساقط شعرها كاملاً.
ذلك الموقف أصاب مراد وأصدقاءه بحالة من الذهول جعلتهم يعيشوا مشاعر من الندم واللوم مدة طويلة، حتى استطاعوا بعد ذلك أن يحصلوا على عنوان الفتاة ويطمأنوا عليها كل فترة، والآن تجمعهم بها صداقة نقية.
تلك الفتاة لم تكن وحدها ضحية المجتمع الذي لا يفكر قبل أي تصرف ويطلق الأحكام على غيره دون أدنى اعتبار للشخص. الجلوس في المنزل وعدم الرغبة في مغادرته هي ما بدأت تلاحظه حنان على ابنتها البالغة من العمر 8 سنوات، والسبب أنها عندما تخرج برفقتها تسمع وتلاحظ نظرات الناس وتعليقاتهم عليها بسبب زيادة وزنها الذي يؤثر عليها نفسياً من مجتمعها.
“ماكلة أكلك وأكل خوانك”، “ابعد عنها يا بابا لتأكلك”، هي بعض التعليقات التي تسمعها ابنتها عند خروجهم لأي مكان، مبينة أنها تحاول بأي طريقة أن تمنعها من سماع هذا الكلام الا أنها تفشل ذلك عدا عن النظرات الاستهزائية والضحك الذي تراه في أعين الناس وعلى وجوههم.
وتضيف حنان أن كل ذلك يحدث مراراً ومن قبل الناس دون أي لحظة تفكير منهم أو مراعاة لنفسية هذه الطفلة التي تعاني مشكلة صحية تجعلها بهذا الحجم من زيادة الوزن، لافتةً أنه حتى لو كانت ابنتها غير مريضة ولا تعاني من أي مشاكل صحية ولديها زيادة وزن هذا ليس مبررا للاستهزاء والضحك عليها.
وفي ذلك يذهب الاختصاصي النفسي د. محمد حباشنة الى أن المجتمع ما يزال في حقبة الحكم على الأشخاص دون عمق، والتفكير الانتقائي، وفي علم النفس تعتبر هذه أخطاء معرفية مهمة جداً تؤثر على أداء الأفراد.
واذا كانت هذه منظومة موجودة فهي “مرضية”، مبينا أنها للأسف الشديد موجودة على مستوى جمعي، وهو الأمر الذي يعني أن المنظومات الفكرية ما تزال مرضية لدى مجتمع المعلقين، لافتاً الى أن الأشخاص يعلقون بناء على انتقاء فكرة مغلوطة متناسين هوية الإنسان وتفاصيله وباحثين عن شيء محدد للانتقاد.
ويبين أن الإنسان المقصود قد يكون نموذج قوة وتحد ليرد عليه بانتقادات تبتعد عن الايجابية وتتوجه نحو السلبية، “لاعتقادنا أن السلبي يؤكد على أن الشخص موجود وله رأي”.
ويشير حباشنة الى أن هذا كله ساهمت فيه مواقع التواصل الاجتماعي التي باتت نافذة عامة للجميع ليعبروا عن رأيهم دون أي مراقبة لصفات ومعايير الشخص المعلق، لافتا الى أن هذه المواقع تجعل من الجميع يكتبون دون أي تحضير ذهني ومهني وأدبي فهو يخرج مكنوناته الخاطئة وسواد تفكيره.
ويعتبر حباشنة أن هذه الفئة من الناس هم أشخاص “متواضعو التفكير والنية فيصدر عنهم خلل وعيوب فكرية وذهنية للمجتمع”.
في حين يرى الاختصاصي الاجتماعي
د. حسين الخزاعي أن هذا سلوك موجود وملموس في المجتمع والسبب الأساسي فيه هو جهل هؤلاء الأشخاص بظروف غيرهم وعدم معاناتهم واحساسهم بما يمر به الآخرون.
الى جانب أن ذلك يضع العقبات والعراقيل أمام تحديات هؤلاء الأشخاص مما يجعل همهم هو نظرة المجتمع، ما يصعب من عملية دمجهم وتقبلهم لمرضهم وتحدياته في حال كانوا أشخاصا يعانون من مرض معين.
ويشير الخزاعي الى أن المفروض دائماً أن يأخذ الإنسان بعين الاعتبار كل الأبعاد والآثار الناجمة عن هذه التعليقات التي لا بد من أن تؤثر على الشخص سلباً، وعلى المجتمع عدم النظر للآخرين بمنظار سلبي وعدم احراج أي شخص بنظرة أو حتى تعليق جارح.

اضافة اعلان

[email protected]