الحياة في السجن

من طالع مقابلة مدير مراكز الإصلاح والتأهيل، العميد أنور القضاة، في "الغد"، والتي أجراها الزميل موفق كمال ونُشرت يوم أمس، لا بد وأن يشاركني نفس النتيجة، ومفادها أن حقوق الأشخاص في السجون تفوق حقوق من ينعمون بالحرية خارجها.اضافة اعلان
النزيل الواحد في السجن يكلف الخزينة 750 دينارا شهريا؛ مبلغ يفوق دخل عائلة بكاملها. والأهم من ذلك أن السجناء جميعا متساوون من الناحية الطبقية، وقياسا بمعدلات الدخل في الأردن، يمكن القول إن من يحل سجينا في مركز إصلاح يصبح في عداد الطبقة الوسطى!
وإن كنت من المحرومين من التأمين الصحي، فبمقدورك أن تنال أفضل درجاته بمجرد دخولك السجن مقابل مبلغ زهيد؛ شيك مرتجع لا تزيد قيمته على ألفي دينار كاف لتحويلك إلى "الجويدة". ومن هناك، يتم نقلك إلى المستشفى لإجراء عملية جراحية قد تصل كلفتها إلى عشرين ألف دينار؛ مجانا وعلى حساب الحكومة.
ويشير العميد القضاة إلى حالات افتعل أصحابها مشاكل بسيطة من أجل دخول السجن، للاستفادة من التأمين الصحي المجاني.
في السجن، يتعلم النزلاء مهنا محترمة في المشاغل المهنية، وهي فرصة قد لا ينالون مثلها في الخارج. ومن لا يعرف القراءة والكتابة بإمكانه أن يصبح "بلبلا" في غضون سنة واحدة، إذا ما التحق بمركز محو الأمية. والمعلمون من السجناء يتقاضون رواتب من وزارة التربية والتعليم، بعد اعتمادهم رسميا. وقريبا، سيسمح للنزلاء بالدراسة الجامعية؛ تحقيق هذه الأمنية يكون من خلال الانتساب إلى إحدى الجامعات.
حياة سلسة بلا تعقيدات، يحسدهم عليها من يكابدون في حياتهم لنيل فرصة عمل أو مقعد جامعي. وربما نشهد قريبا تخصيص "كوتا" في الجامعات للمساجين.
ليس هذا فقط؛ مزايا الحياة في السجون أكبر مما تتخيلون. ففي مهرجان جرش لهذا العام، سيشارك نزلاء مراكز الإصلاح بمعارض التحف والنحاسيات وأعمال الحياكة. وليس مستبعدا أن يحيي أحد النزلاء في دورات مقبلة حفلا فنيا على المسرح الجنوبي، ويجني منه أموالا طائلة مثل كبار النجوم العرب.
وإذا كان المجتمع لا يعترف بحقوق المثليين، فإنهم بألف نعمة داخل السجون، حيث خصص مهجع مستقل لمن "لا تظهر عليهم ملامح الرجولة". والهدف، كما قال العميد القضاة، حمايتهم من محاولات الاعتداء.
وتصنيف السجناء لفئات داخل السجون لا يقتصر على نوع الجريمة والفئة العمرية، بل هناك احترام لحقوق غير المدخنين وكبار السن، ومن بلغوا سن الرشد. غير المدخنين خارج السجن لم ينجحوا بعد في حملاتهم لإبعاد المدخنين عنهم في مواقع العمل والأماكن العامة، بينما يحصل النزلاء على هذا الحق في السجون.
ويبدو أن التمييز في السجون معدوم تماما، فالكل متساوون في الحقوق والواجبات؛ السياسي والجنائي، القاتل والضحية. خذوا مثلا القيادي في جماعة الإخوان المسلمين زكي بني ارشيد، الذي يقضي فترة محكوميته حاليا. إذ تمكن، حسب قول العميد القضاة، من المنافسة الحرة والنزيهة في مسابقة حفظ القرآن الكريم، لا بل والفوز بالجائزة الأولى بجدارة، من دون أن يفكر أحد بالتلاعب بالنتائج. وتكريما لبني ارشيد، سمح له بتناول طعام الإفطار مع أفراد أسرته.
في السجن تنال حقوقك كاملة في الحياة، مقابل التنازل عن حريتك. هل يكون للحياة قيمة من دون الحرية؟