الخوف على مصر

"مصر بدون رؤية"؛ بهذه العبارة وصف محمد حسنين هيكل الأوضاع في مصر مع نهاية العام 2015، ضمن سلسلة الحوارات التي تجريها معه إحدى القنوات التلفزيونية المصرية. وليس هيكل وحده؛ بل رموز آخرون ممن نظروا  للتحولات التي شهدتها مصر منذ حركة الثلاثين من حزيران (يونيو) 2013، والتي أنهت عمليا حكم الإخوان المسلمين، باتوا يرددون "البلد في خطر".اضافة اعلان
علينا أن نأخذ بعين الاعتبار أن النظام المصري الحالي تعرض خلال العام الماضي لواحدة من أكبر الحملات الدعائية المناوئة، شاركت فيها جماعات سياسية منظمة، على رأسها جماعة الإخوان المسلمين؛ فشارك فيها التنظيم العالمي والتنظيمات المحلية في عدد من دول المنطقة. كما شاركت في هذه الحملة دول إقليمية، جندت وسائل إعلام وميزانيات ضخمة.
يتحدث هيكل عن البوصلة المفقودة، وعن حجم المتغيرات حول مصر، من دون وجود إدراك لها؛ ما يضيف المزيد من القلق. إنها لحظة خطر؛ فما تزال مصر تعمل من غير خريطة واضحة. مصر غائبة عن العالم؛ فأوروبا شمال مصر تتحرك، والإقليم من حولها يغلي، وأفريقيا من تحتها تتحرك، ووحدها مصر واقفة مكانها؛ هكذا تكلم هيكل، ليصل إلى القول: "إن البلد في طريقه للخروج من التاريخ".
في الوقت نفسه، يرى أن الرئيس (عبدالفتاح السيسي) مغلوب على أمره ولا ينام، وقلق أيضا. ثمة فراغ في الرؤى السياسية والاقتصادية، والبلد غير مُشغل، وهناك سيادة للجهل وسطحية في تناول شؤون المستقبل.
أما حسام عيسى؛ أستاذ القانون الدولي والمفكر القانوني الذي اختير نائبا لرئيس الوزراء في الحكومة الانتقالية في عهد الرئيس عدلي منصور، وأحد أبرز المناصرين للرئيس السيسي، فقال من على فضائية "روسيا اليوم" إن البرلمان الجديد هو أسوأ برلمانات مصر، ويشكل إهانة للثورة المصرية. مكررا أن الرؤية غائبة؛ بمعنى أنه لا يوجد مشروع متكامل للنهوض بهذا البلد، بل توجد مشروعات، حيث لا رؤية للإصلاح والنهوض الاقتصادي، ولا رؤية سياسية لبناء الدولة أو للدور الإقليمي.
وعلى الرغم من اعتراف الجميع بأن مصر في العهد الجديد حققت إنجازات في الحرب على الإرهاب، ولو كان الأمر ينحصر بالمنظور الأمني وبعض الإنجازات في العلاقات الخارجية، مقابل انحسار فعالية الدور الإقليمي إلى حد مخجل، فإنه ما تزال خطط السيسي المحددة للاقتصاد والنظام السياسي بمثابة لغز. وبالنسبة للكتلة المثقفة المصرية التي ألقت بكل ثقلها خلف الرئيس، فقد كان كافيا أن السيسي أنقذهم من كابوسهم الأسوأ المتمثل في الحكم الديني، كما وصف ذلك الباحث الأميركي ديفيد أوتاواي. وهو ما جاءت نتائج الانتخابات التشريعية لتثبته؛ فالبرلمان الجديد خطفه رجال مبارك، بل وعلى حد تعبير حسام عيسى أسوأ رجال مبارك، فيما ازدادت انتهاكات حقوق الإنسان وتراجعت الحريات العامة، وسيطرت السلفية بشكل أو بآخر على الأزهر.
الاقتصاد المصري يذهب نحو المجهول بعد انحسار المساعدات الخليجية في ضوء تراجع أسعار النفط، والسياحة المصرية تعرضت لضربة قوية، فيما لم يحقق مشروع قناة السويس الجديد الآمال المتوقعة إلى هذا الوقت. وفقد الجنيه المصري 10 % من قيمته أمام الدولار في 2015. كما أن عجز الموازنة ما يزال مرتفعاً جداً عند حدود 11 % من الناتج الإجمالي، والفقر في صعيد مصر يتجاوز نسبة 50 % من السكان.
كثيرون لديهم يقين بأن الرئيس السيسي نظيف اليد ويعلون من وطنيته، ولا يشككون برغبته في إحداث التغيير الذي يتطلع إليه المصريون، وكثيرون أيضا يرون أنه لا يملك إلى هذا الوقت الرؤية ولا الفريق لتحقيق ذلك، ما يجعلنا نخاف على مصر مجددا.