العدالة أم الديمقراطية في البرازيل؟

خورخي ج. كاستانييدا*

مدينة مكسيكو- من المتوقع أن تنظم الانتخابات الرئاسية المقبلة في البرازيل -وهي التاسعة من نوعها منذ استعادة الديمقراطية في العام 1985- وسط حالة من الفوضى، لكن السبب ليس تدمير المتحف الوطني في ريو دي جانيرو مؤخراً بسبب نشوب حريق، أو حتى نتيجة لتراجع الانتعاش الاقتصادي. وقد تسببت فضائح الفساد التي تشوه العملية الانتخابية في حدوث انفصال متزايد بين العدالة والديمقراطية. اضافة اعلان
لقي السؤال المطروح من قبل الكثيرين إجابة جزئية بالفعل. في أعقاب فضيحة عملية "غسيل السيارات" (أوبراكاو لافا جاتو)، التي هزت الطبقة السياسية البرازيلية وقطاع الأعمال والنظام القضائي في البرازيل منذ العام 2014، أدين الرئيس البرازيلي السابق، لويس إيناسيو لولا دا سيلفا، بتهمة الفساد. ومع وجود قضيته قيد الاستئناف، فإنه يقبع الآن في السجن حيث سيمضي حكماً لمدة 12 عاماً.
مع ذلك، قرر لولا، السياسي الأكثر شعبية في البرازيل، المشاركة في الانتخابات الرئاسية. وفي وقت سابق من هذا الشهر، أصدرت المحكمة الانتخابية قراراً بعدم خوضه هذه الانتخابات، وذلك طبقاً لقانون البرازيل بشأن "السجل العدلي النظيف" -الذي وقعه لولا نفسه خلال فترة ولايته الثانية- والذي ينص على عدم أهلية أي شخص صدر عليه حكم قضائي استئنافي بتهمة الفساد للحصول على منصب عام. وقد أيدت شريحة كبيرة من الشعب البرازيلي قرار إبقاء لولا خارج السباق الانتخابي.  
في الواقع، ما تزال لدى الكثير من البرازيليين -والمراقبين الأجانب، بمن فيهم أنا- شكوك جدية بشأن هذه القضية، وذلك لسببين رئيسيين. أولاً، حكم على لولا بالسجن لارتكابه جريمة بسيطة نسبياً (على الأقل في الوقت الراهن)، وقد أدين من قبل محكمة ابتدائية. ويُعد منع المرشحين الأوفر حظاً من المشاركة في الانتخابات الرئاسية بسبب ارتكاب جرائم بسيطة نسبياً، تتعلق بقضايا مُسيسة إلى حد كبير، مناورة مفرطة ومريبة من شأنها أن تخيب ظن الكثيرين، وتثير غضب ملايين البرازيليين الذين ما يزالون يبجلون لولا.
ثانياً، من الناحية العملية، يزيد إبقاء لولا بعيداً عن الانتخابات الرئاسية من فرص فوز جاير بولسونارو -وهو مِظَلّي سابق معروف بمواقفه المثلية، والتمييز الجنسي، والعنصرية، وشبه الفاشية.
وفي حين كان بولسونارو المرشح الأول قبل اتخاذ القرار النهائي بشأن إبطال ترشح لولا، أشارت استطلاعات لاحقة إلى أنه في انتخابات الإعادة المتوقعة، سيتمكن معظم المرشحين الآخرين من هزيمة  بولسونارو بسهولة. لكن كل شيء تغير في 6 أيلول (سبتمبر)، بعد تعرض بولسونارو لمحاولة اغتيال فاشلة أجبرته على وقف حملته لأسابيع عدة. خضع بولسونارو لعدة عمليات، وقد تمكن بالكاد من النجاة، كما حظي بدعم الكثيرين. واليوم، استطاع أن يحصل على أكثر من 30 % من الأصوات في الجولة الأولى، أي أكثر من ضعف نسبة المرشحين الآخرين.
أما بالنسبة للولا، فليس أمامه الآن خيار سوى دعم رفيقه في الانتخابات، فرناندو حداد، الذي شغل منصبي رئيس بلدية ساو باولو ووزير التعليم. ولكن، في حين عزز دعم لولا مكانة حداد -وهو الآن متعادل تقريباً مع معظم المتنافسين الآخرين- فإنه ما يزال خلف بولسونارو في استطلاعات الرأي.
بطبيعة الحال، من المحتمل أن يتغير الوضع بشكل كبير في جولة الإعادة الثانية. وفي فرنسا في العامين 2002 و2017، تعرض المرشحان اليمينيان -جان ماري لوبن ومارين لوبن، على التوالي- لهزيمة ساحقة عندما دعم الناخبون منافسيهم في الجولة الثانية. في الواقع، تلقى كل من جاك شيراك في العام 2002 وإيمانويل ماكرون في العام 2017 دعم الجميع في الاقتراع الأولي، عبر الطيف السياسي، لأنه لم يكن أحد على استعداد للسماح لمرشح كاره للأجانب بالفوز بالرئاسة.
لكن من غير المؤكد أن البرازيليين سوف يدعمون منافس بولسونارو بالطريقة نفسها، ولا يمكن ضمان أن  تقدمه في الجولة الأولى لن يكون كبيرا بحيث لا يمكن التغلب عليه في الجولة الثانية. في كلا السيناريوهين، سوف ينتهي الأمر في البرازيل بفوز رئيس متطرف أيد الدكتاتورية العسكرية في الستينيات والسبعينيات، وذلك بسبب منع لولا من المشاركة في الانتخابات، وهو المرشح الوحيد الذي كان بإمكانه هزيمته. كان من الممكن تدمير الديمقراطية البرازيلية بسبب دعم العدالة.
في عالم مثالي، تسير العدالة والديمقراطية دائما جنبا إلى جنب. ولكن في العالم الحقيقي، يجب علينا اتخاذ قرارات صعبة، مع الأخذ بعين الاعتبار ما نحن على استعداد للتضحية به من أجل الصالح العام. بالنسبة للبرازيل اليوم، فهل هذا يعني أن تنفيذ أحكام القانون القاسية ومعاقبة أي شخص بتهم الفساد يستحق تهديدا محتملا للديمقراطية.
ويرى العديد من البرازيليين البارزين الذين يتمتعون بمؤهلات ديمقراطية موثوقة، مثل سلف لولا، فرناندو هنريك كاردوسو، أنه يجب احترام القانون بأي حال من الأحوال. لكن هذه ليست حجة يسهل  تجنبها، خاصة في ضوء احتمال خسارة بولسونارو في الانتخابات -والتي ستعد نتيجة لصالح جميع الأطراف.
وبالمثل، لا يمكن تجاهل المخاطر الناشئة عن الالتزام بهذا النهج. فبدءاً من هنغاريا وبولندا إلى إيطاليا وألمانيا، ناهيك عن الولايات المتحدة، اكتسبت القوى السياسية اليمينية المتطرفة والاستبدادية والشعبوية والمناهضة للمؤسسة -أو على الأقل زادت قبضتها على الحكومة- من خلال المشاركة في انتخابات ديمقراطية. لكن بمجرد وصولهم إلى السلطة، قاموا بتدمير المؤسسات الديمقراطية. وفي هنغاريا، على سبيل المثال، استغل رئيس الوزراء فيكتور أوربان الأغلبية البرلمانية لحزبه لملء المحاكم بالموالين له، والتحكم في وسائل الإعلام العامة، وتعديل الدستور لإضعاف معارضيه.
في ظل هذه الخلفية، يجب أن نسأل أنفسنا سؤالاً تصعب الإجابة عنه: إلى أي مدى سيُجبر الديمقراطيون -والتقدميون والمحافظون على حد سواء- على تعديل القوانين من أجل حماية الديمقراطية وسيادة القانون من أولئك الذين يسعون إلى تقويضها؟
لو كان الأمر بيدي، كنت سأسمح لدا سيلفا بالمشاركة في الانتخابات القادمة، وبالتالي حماية ديمقراطية البرازيل من بولسونارو. وقد يختلف الكثير من الناس الملتزمين بالديمقراطية مثلي في هذا الرأي. وعلى أي حال، لا يسعنا الآن إلا أن نأمل في أن لا يكون التزام البرازيل الجديد بتأييد سيادة القانون سبباً في تقويض القانون -وفي تدمير الديمقراطية.

*وزير الشؤون الخارجية بالمكسيك من العام 2000 إلى 2003، وهو أستاذ عالمي متميز في السياسة ودراسات أميركا اللاتينية ومنطقة الكاريبي بجامعة نيويورك.
*خاص بـ"الغد"، بالتعاون مع "بروجيكت سنديكيت".