الموقع الأول

 

معاريف -  غابي غولدمان

 كي نفهم الاهتمام الذي تثيره الصين في الغرب، يجب أن نرجع ثلاثين سنة الى الوراء. بعد موت ماو تسي تونغ، الزعيم المؤسس للصين، اختلفت القيادة الشيوعية في مسألة أي نهج تتبنى. كدرس من الثورة الثقافية وخطة "القفز الكبير الى الأمام" الفاشلتين لماو، استقر الرأي على فتح الطريق لتطوير اقتصادي عاجل. وبقي ورثة ماو مخلصين للشيوعية كنهج سياسي، لكن الخطة الاقتصادية الجديدة التي أبدعوها، وهي الاشتراكية مع مميزات صينية، كانت معادلا واضحا عن النموذج السوفياتي في المجال الاقتصادي.

اضافة اعلان

 يصعب أن نجادل الأرقام: فمنذ موت ماو في العام 1976 ازداد دخل الفرد 17 ضعفا، ونما اقتصاد الصين بمعدل 9.9 في المائة كل سنة منذ أعلن الرئيس آنذاك دانغ شيئوبن إصلاحا وتحولا تدريجيا الى اقتصاد السوق. وكانت المرحلة التالية بعد تحديث الاقتصاد وإدخال تقنيات متقدمة، إحداث قوانين تحمي الممتلكات والأعمال الخاصة، وبعدها إلغاء الميزات الضريبية للشركات الأجنبية وفرض ضريبة موحدة على المستثمرين الاجانب والمحليين.

كان للنمو السريع للصين تأثير ملحوظ أيضا في النشاط الاقتصادي العالمي. وأفضى اعتماد النمو الصيني على استيراد المواد الخام ومنتوجات الصناعة من أجل بناء مصانع إنتاج وبنى تحتية إلى نمو سريع لدول غنية بالمواد الخام كدول الأوبك، وروسيا، والبرازيل، وأستراليا ودول تنتج معدات صناعية، وكانت نتيجة كل ذلك انفتاح الصين على أسواق العالم.

 تأثير الصين الاقتصادي عظيم، وقد أصبحت مثالا ونموذجا لما يستطيع اقتصاد السوق الحرة فعله. ولكن - ويوجد لكن دائما - اقتصاد السوق المستعمل في الصين هو الأشد قسوة في العالم. فسكان الصين لا يحظون بمخصصات بطالة، ويعيش نحو من 130 مليون صيني (حوالي عُشر السكان) تحت خط الفقر الدولي. وتفضي سياسة خصخصة الإدارة الى فقدان حقوق اجتماعية كالتأمين الصحي الذي يتمتع به المواطنون تحت الحكم الشيوعي. وقد تطورت المناطق الساحلية أسرع كثيرا من المناطق الأخرى في الدولة، وأصبح المجتمع الزراعي صناعيا وهجر السكان القرى وذهبوا إلى المدن، حيث نشأت طبقة عمال مدنية جديدة، وفي المقابل ايضا نشأت ظواهر أخرى منها استغلال الأطفال.

 اقتصاد الصين اليوم هو الثالث في الكبر في العالم بعد الولايات المتحدة واليابان. وبحسب تقديرات خبراء اقتصاد، قد تحتل الصين مكان اليابان لتكون ثاني اقتصاد في العالم في السنة المقبلة أي قبل التنبؤات بخمس سنين. وحسب هؤلاء الخبراء ستتخلف الولايات المتحدة أيضا حتى سنة 2030 وسيكون اقتصاد الصين هو الأكبر في العالم.

 برغم، وربما بفضل، التطوير الاقتصادي السريع، ما يزال الحزب الشيوعي الصيني يحافظ على هيمنته. برغم آمال غربية ساذجة أن تفضي استضافة الألعاب الأولمبية في بكين الى شيء قليل من تخفيف اضطهاد سكانها، فإن الصين فعلت كل شيء لتبين للعالم أن الكل أكبر كثيرا من مجموع أجزائه.

 تم صرف الفقراء عن الشوارع وأرسلوا الى معسكرات، وتمت الرقابة على دخول الإنترنت حتى للصحافيين الاجانب، وقمعت أي محاولة لثورة الأقليات بقسوة، وبغير تشويش من عدسات تصوير غربية.

 بإزاء المس بحقوق الإنسان والمس بحرية التعبير، صدرت عن الغرب وتصدر تنديدات متلعثمة في أحسن الحالات، فالصين هي القوة الاقتصادية الصاعدة وهي في طريقها الى أن تصبح الفضلى والكبرى وأن تحتل الموقع الأول. فالحال في الغرب هو ذات الحال في الرأسمالية حيث لا يطرد الطالب المتفوق من الصف. ولا يوجد أي جديد في الغرب.