اليوم ليس نهاية العالم!

سأُكْمِلُ تحيَّة الصباحِ على جارِنا، وأستَمِعُ بصَبْرٍ صَبُورٍ إلى شرحِهِ المُفَصَّلِ عن توقعاتِهِ السياسيَّةِ لـ "الأيام الجاية"، وسأبْدي اهتماماً زائداً بنشرَةِ أحوالِ الطقس الإذاعيَّةِ حتى نهاية الأسبوعِ، وأعطي موافقة ضمنيَّةٍ على دعوَةٍ لحُوحَةٍ للعشاءِ يوم الجمعة. سأؤجِّلُ عمَلَ اليَوْمِ إلى الغَدْ، وأتصرِّفُ بثقة مَنْ سيعيشُ أبداً، وأقولُ للذي يحثُّني لقطع الإشارة حمراءَ إنَّ الدنيا لن تطيرَ؛ سأصدقُ وعدي، وأهاتفُ حبيبتي القلقة، وأمنحها موعدا، فلقاءً، فزواجاً..؛ إنْ لم ينته العالمُ هذا النهار!  اضافة اعلان
..إنْ مرَّ هذا اليومُ المؤرَّخ في الثاني عشر من الشهر الثاني عشر، من العام الثاني عشر بعد العام ألفين بسلام، ولم يصدق خليطُ الأساطير الذي توقَّعَ أنْ تنتهي مدة صلاحيَّة الكون تحت شمس هذا النهار، أو ما تلاه من النهارات حتى يوم الثالث والعشرين..؛ سأكونُ كائناً جديداً ألتزمُ بكلِّ ما لا يَلزم، وأبدِّل بالسيِّئاتِ حسناتٍ، فأردُّ التحيَّةَ بأحسَن مِنْها، وأميطُ عن قلبي الأذى، وأتهيأ للموت في سبيل قضيَّةٍ كبيرَةٍ..؛ أعِدُكِ إنْ مرَّ هذا اليوم بسلامٍ أنْ أموتَ من أجلكِ!
أعدكِ أنْ أكافحَ من الرمق الأول حتى الأخير دفاعاً عن هذا الكوكب؛ فهو البئر الذي شربنا معاً منه، والحقلُ الذي أطعَمَنا وآوانا وستَرَ قُبْلتَنا. أعدُكِ أنْ أتصدَّى لمؤامرة الكائنات الغريبة القادمة من الخارج بنيَّةِ الغزو الكامل للكرة الأرضيَّة؛ ثقي أنَّني سأكونُ "توم كروز"، مع فارق بسيطٍ في المَلامِحِ، ولن أقلَّ جسارَةً عنهُ في التشبُّثِ بالأرض والإنسان، وأعِدكِ بكلِّ ثقة أنْ أتفوَّقَ على ما وَردَ في الفيلم المشوِّق "War of the world" من مشاهد بطوليَّةٍ مُفْتَعَلَةٍ!
لا تقلقي إن بدوتُ رخواً في بعض اللحظات، فعندَ الحسم سأكونُ صلباً وحادا كالرُّمح، فقط لو يعفيني التلفزيون الرسميُّ من حرصه الزائد، ودعواته الصادقة بـ"توخِّي الحيطَةِ والحَذَر"، وتكرار لازمة ضرورَة تجنُّبِ "المنعطفات الحادة" والمشي المُتَهمّلَ تحت الجسور الاسمنتيَّةِ..؛ لو تكفُّ "الإذاعة" عن بثِّ قلق زوجة الأب نحوي، فأخشى الارتباكَ في لحظة لا تُسْتَعاد، وأموت بشكْلٍ مجَّانيٍّ، كأنْ يرتطمَ، بطريق الخطأ، مذنَّبٌ أو جسم غريب بكتفي أو بناحية ما من القلب الذي يُحبُّكِ! 
لكنَّ شيئاً إلى الآن لم يحدث، وثمة بث متزامن بين جميع القنوات عن فوائد الخضار الطازجة، وفقرة رياضية من مدرِّب نافر العضلات، ونصائح من طبيبَةٍ متصابِيَةٍ للمَشي ساعة في الصباح، وأخرى في الليل، لشدِّ البَطْن والأردافِ. حركة السير طبيعيَّةٌ، والإقبالُ على السلع الأساسية أعلى من المعدَّلِ المعتاد، ما يَعْني أنَّ حبَّ الحياةِ لدى الناس ليس موضعَ شكٍّ..؛ وأنَّهم مستعدونَ للموتِ غير الفيزيائيِّ من أجلها!
الحكومة- أيُّ حكومَةٍ- عبَّرت بدورها عن امتنانها للشعب- أي شعب-، لإصرارهم على الحياة، وقال وزيرُ حكم محلي في بلد ما، على تلفزيون ما شعراً كلاسيكيا على غرار:" إذا الشعبُ يوماً أراد الحياة فلا بدَّ أن يستجيب القدر"، وهو يستجيبُ بدليل أنَّ الحركَةَ المُروريَّةَ تَسيرُ بجَسَارَةٍ غير معتادَةٍ فوق الجسور وتحتَها!
.. الساعة عمَّا قليل ستقتَرِبُ من الثانيَة عشرة، إيذاناً بانتهاء يوم الثاني عشر، من الشهر الثاني عشر، من العام الثاني عشر بعد الألفين، بخفَّةٍ وسلامٍ، وبدون خسائر في الممتلكات العامة أو الخاصة، وبدون خسارة أي من سكان الأرض لأيِّ روح من أرواحهم، وقد يعلنُ هذا اليوم "عيد تحرير" و"انتصار" في بعض الدول ضدَّ العدوِّ الفضائيِّ الغاشم، وقد تُبْدي دول عدم الانحياز انحيازَها الكامل لمجموعاتٍ نضاليَّةٍ متفرِّقةٍ نشأتْ لدرءِ الخطَرِ الاستعماريِّ من المُحْتَمَلِ من المجرَّاتِ المجاوِرَةِ، وعلى الأرجح سيبثُ التلفزيونُ فيلماً قصيراً، في التاريخَ الذي لن يتكرَّرَ إلا بعدَ ألف عامٍ، ليدلَّ على أنَّه هنا وهناك من كلِّ أجزاء الأرض كان ثمة حياة!