بأنامل قدميها.. "رحمة" ترصف حجارة الأرض وتشكل لوحات فسيفسائية

الشابة رحمة خير تشكل لوحات الفسيفساء بقدميها - (من المصدر)
الشابة رحمة خير تشكل لوحات الفسيفساء بقدميها - (من المصدر)

تغريد السعايدة

عمان- لم تقف الشابة رحمة خير الله عاجزة أمام جسدها النحيل غير المكتمل، إنما تمسكت بالأمل وانتزاع حقها المشروع بحياة أفضل، متمسكة بحلمها. الشعور بالرضا والاكتفاء بما وهبها الله لها، كان دافعا لها للاستمرار، بعد أن ولدت من دون ذراعين، لتكتفي بالابتسامة والاستعانة بأصابع قدميها في قضاء حوائجها، وأن تبدع في فن الفسيفساء وتنسيقه.اضافة اعلان
منذ أن ولدت رحمة قبل 35 عاماً، جاءت للحياة مبتورة اليدين، إلا أنها تمتلك من القوة ما يجعلها تقف في مواجهة هذه الإعاقة الجسدية لتجد نفسها وعالمها بين فتافت الحجارة الصغيرة، تصنع منها لوحات فنية غاية في الجمال والروعة، وذلك من خلال قدرتها الفائقة على التحكم بقدميها ورفعهما بما يتلاءم مع جسدها، بحيث تستخدم أصابع القدم في تنسيق الحجارة وعمل اللوحات الفنية.
وتتحدث خير الله عن تلك التجربة التي جعلتها تبحث من خلالها عن فرصة مناسبة لها للعمل، وتساعد على إعالة نفسها بظل الظروف الاقتصادية السائدة، مع أناس يقدرون عملها ويساعدونها على تسويق اللوحات الفسيفسائية التي تقوم بعملها، "لا أتمنى أن أقف عند هذه النقطة في حياتي، أرغب بالاستمرار بالعمل والإنتاج والمردود المادي، ولكن يرفضني البعض بسبب مظهري وعدم قناعتهم بقدراتي الفنية"، وفق قولها.
رحمة تلقت الدعم الكبير من عائلتها التي آمنت بقدرتها على أن الاستمرار في الحياة، هو ما دفعها إلى أن تخوض تجارب الحياة والطفولة المختلفة بقوة وإصرار، إذ درست في جمعية الحسين للإعاقة الحركية وأتمت التعليم حتى الصف السادس، ومن ثم توجهت للمدارس الحكومية، واستمرت في الدراسة حتى الثانوية العامة التي لم يحالفها الحظ في اجتيازها، إذ كانت والدتها من أبرز الداعمين لها والمؤمنين بقدرتها على تخطي تلك الإعاقة، حيث ساعدتها منذ الطفولة على استخدام قدميها، حتى أمست تستخدمهما وكأنهما يداها وبكل سهولة.
ومن هنا، قررت رحمة أن تستجمع قواها مرة أخرى وتجد لنفسها مساراً في الحياة، وتبحث عن طريقة لاستجماع تلك الطاقة فيها التي تنبع بإحساس فني عالٍ، وانتسبت إلى نادي المستقبل للإعاقة الحركية وتعلمت أصول العمل الفني في الفسيفساء، وما هي إلا أيام قليلة حتى كانت تتقن هذا العمل الفني المعقد، حيث وجدت أن هذه فرصتها للانطلاق الى عالم الإبداع الذي أوجد في نفسها سعادة غامرة، خاصة وأنها تقوم بهذا العمل من خلال "أصابع قدميها".
وخلال فترة التدريب، كانت خير الله قد وجدت نفسها كذلك في الرياضة، إذ شاركت بمسابقات عدة للجري، وحصلت على ميداليات مختلفة خلال تلك الفترة، أي قبل حوالي ثلاث سنوات، بالتزامن مع تدريبها على فنون الفسيفساء، حتى تخرجت في تلك الدروة وأمست الآن جاهزة للانخراط في البحث عن فرصة للعمل والاستمراية في عالم الفن بكل ما بها من قوة واستطاعة.
تعتقد رحمة أن اعتمادها على استخدام قدميها ساعدها على تقوية العضلات والأعصاب لديها، ما جعلها قادرة على التحكم بشكل متقن في عمل اللوحات، ورصف الحجارة الصغيرة بالطريقة المناسبة لذلك، بيد أن والدها وعائلتها يساعدانها على تكسير الحجارة وتجهيزها، لتقوم هي بعد ذلك بتخيل لوحتها والرسمة التي ترغب بصياغتها، ومن ثم تبدأ بصنعها بهدوء وإتقان من خلال أصابع القدمين.
كل لوحة تقوم رحمة بتجيهزها هي عبارة عن رسالة ترغب في إيصالها للآخرين، تقوم بتفريغ تلك المشاعر التي تجتاحها بين الحين والآخر عبر لوحاتها، تحاكي الناس من خلالها، عدا عن استعدادها لعمل أي رسمة يرغب الشخص باختيارها، لذلك توجهت إلى أماكن عدة مختصة بفنون الفسيفساء، كما في مدينة "مادبا"، إلا أنها وللأسف لم تجد فرصتها التي رغبت بالحصول عليها، وما يزال البحث جاريا عن فرصة مناسبة لها تحتوي موهبتها وتساعدها على الاستمرار والتطوير على المدى البعيد.
الآن، وبعد بحث مستمر من قبل رحمة، وتواصل مع جمعيات خيرية ومبادرات عدة من أجل مساعدتها، ومقابلات صحفية ومختلفة، تتمنى رحمة أن لا يتوقف مشوارها هنا، وأن تجد الدعم من تلك المبادرات التي تتبنى موهبتها، إلى أن ساعدتها مبادرة "مسار الخير" على أن تكون جزءا من إحدى المحطات التي تدعم الموهوبين من خلال عرض لوحاتها وعملها في مدينة السلط ضمن دورها في تمكين المرأة ودعم مشاريعها الإنتاجية.
وتؤكد رحمة أنها سعيدة بهذا التعاون، وترغب بأن تنطلق بأعمال فنية جديدة ومنوعة حسب طلب الراغبين بالتواصل معها من خلال رسم اللوحات التي يرغبونها بفن الفسيفساء، إلا أنها ما تزال تطمح للكثير وترى أن هذه خطوة إيجابية وأولى للانطلاق إلى عالم الفنون والمعارض المختلفة، وتنتظر دعماً من الجهات الرسمية التي تعنى بدعم الموهوبين، خاصة وأن رحمة تقوم بعمل تلك اللوحات بطريقة غير اعتيادية تظهر قدرات جسدية خارقة وتعد حافزا لكسر قيود الإعاقة والغوص في بحر الإبداع والفنون.