"لو كنت مكانك".. هل نحكم على تصرفات الآخرين دون إدراك لظروفهم؟

Untitled-1
تعبيرية

ظلم وإساءة حينما يتم إخضاع الآخرين لمحاكماتنا الخاصة، وتقييمهم وفقا لقوانيننا وما نراه صوابا، متناسين أن لكل شخص ظروفه وأفكاره وطريقته في فهم الحياة ومواقفها. تجسّد عبارة "لو كنت مكانك" نموذجا، حيث تستخدم لإثبات "صواب" وجهة نظرنا بعيدا عن صوت الآخر، وكأننا نمتلك الحكمة المطلقة وندعي أننا سنواجه الموقف بشكل أفضل. ذلك كله رغم اختلاف الظروف التي يعيشها كل طرف.

اضافة اعلان

 

  مريم (30 عاما) تجد قسوة كبيرة في عبارة "لو كنت مكانك" تقول لكل شخص قصته وظروفه حتى ردود الأفعال تختلف باختلاف الطباع والشخصيات، تقول: ليس من العدل أن نقيم أفعال الآخر دون أن نفهم دوافعه وحقيقة ما يعيشه من ضياع وتشتت، مشيرة إلى أن الظروف هي الحكم في الكثير من القصص.


لذلك لا داعي للوم والجلد فقط "فلو كنت مكاني تعيش نفس الظرف ونفس الحياة لفعلت ما فعلته". وبحسب مريم، فإن الأشخاص يميلون لمن يخفف عنهم ويقف إلى جانبهم فهمم في الموقف نفسه يحتاجون لمن يحتويهم لا من يذكرهم طوال الوقت بخطئهم.


وتستنكر رانيا قاسم كل من ينصب نفسه قاضيا على غيره، فلا يتردد في إطلاق الأحكام وتقييم تصرفاته حسب ما يراه هو، مبينة أن الناس يختلفون في نقاط كثيرة وهذا ما يجعل الحكم عليهم صعبا إن لم يكن مستحيلا.


رانيا ومن خلال تجربتها في الحياة تعلمت ألا تلوم أحدا أو تجلده بحجة أنه أخطأ، هي فهمت أن الإنسان هو بطل قصته بكل ما فيها من أحداث وأن كل أحد يرى الحياة من زاويته "فما يناسبني ليس بالضرورة أن يناسب غيري"، فالإنسان محكوم بظروفه وغالبا القشور لا تعكس العمق لذا لا تحاكم أحدا لأنك ببساطة لست مكانه.   


لكل إنسان بصمته وأفكاره ونظرته الخاصة تجاه الحياة، هذا ما يبينه الأخصائي النفسي موسى مطارنة يقول: الشخصيات تختلف بمبادئها ومفاهيمها وتجاربها وهذا الاختلاف هو ما يغني الحياة ويزيد من مساحات التعلم والوعي.


ويلفت إلى أن الاساءة للآخر تبدأ عندما "نعين أنفسنا قضاة وجلادين فنحاكم بعضنا البعض دون أن نضع الأعذار أو نتفهم ما حقيقة مشاعر الآخر وما الأسباب التي قادته لأن يخطأ.


وهنا لا بد من إدراك أن البشر كلهم سواء وأنهم لا يملكون معايير التقييم ولا يحق لهم أصلا أن يحكموا على بعضهم فليس من العدل بشيء أن ترى الموضوع من زاويتك وتهمل التفاصيل والظروف المحيطة بذلك الشخص. ووفق مطارنة فإن الناس وبسبب انعدام الثقافة المجتمعية يسمحون لأنفسهم بوضع معايير وقيم ومفاهيم، ليطبقوها على الآخرين، وقد يتهمونهم بالخطأ إذا فكروا بمخالفتهم.


يقول: "مهم أن نتعلم تقبل الآخر ونتعلم الحوار المنطقي وأن نبتعد عن اللوم الذي يدين الشخص ويحمله فوق طاقته وأيضا يشعره بالضعف وعدم الثقة بكل ما يفعله". ويبين أن عبارة "لو كنت مكانك" غير عادلة لأن لا أحد مكان أحد، لكل شخص طريقة تفكير خاصة به تجعله قارئا جيدا لكل ما يحدث معه، وبالتالي يكون قادرا على اختيار ما يناسبه فما تراه أنت خطأ قد يراه غيرك عين الصواب فأحداث الحياة متشعبة ومعقدة في الوقت نفسه لذا فإن الإنسان رهين ظروفه وبيئته.


وترى خبيرة علم الاجتماع فاديا إبراهيم، أن لكل شخص تكوينه الخاص، شخصيته أفكاره مبادئه سلوكه وطرقه في التعبير وردود أفعاله، فهناك أنماط شخصيات عديدة فالبعض هادئ والبعض الآخر مُنفعل، البعض يمتلك مهارات اجتماعية عالية للتعامل مع المواقف ويتصرف بحكمة واتزان، والبعض الآخر انفعالي ومُتسرع.


والأهم من ذلك البيئة التي نعيش فيها وطبيعة الأشخاص التي نتعامل معها، كذلك الحالة النفسية للأشخاص ومدى قدرتهم على التعامل مع المواقف وإصدار القرارات والأحكام، لذلك يجب ألا نحكم على الآخرين أو نلومهم على تصرفاتهم واختياراتهم وقراراتهم لأن لكل شخص ظروفه النفسية والعاطفية والاجتماعية والعائلية وحتى المادية الخاصة به، وفق إبراهيم.


وهذه الظروف، حكما، تؤثر بنا ولا يستطيع أحد تفهمها أو استيعابها أكثر منا. لذلك يجب أن نبتعد عن لوم الآخرين وإظهار أنهم أخطأوا في قراراتهم، وأنه كان يجب عليهم أن يفعلوا كذا وكذا، وأننا لو كنا مكانهم لفعلنا كذا، لأسباب أولها أن اللوم لا يفيد فما حدث قد حدث، وفق إبراهيم.


واللوم يسبب مشاعر سلبية لدى المتلقي ويجعله يجلد ذاته ويلوم نفسه على قراراته وقد يؤثر هذا على اتزانه وإنجازه ، كما أن اللوم يقلل الثقة بالنفس فيرى الشخص أنه على قدر قليل من الوعي أو الفهم ويبدأ تدريجيا يفقد احترامه وتقديره لذاته، كما أنه قد يتسبب في كراهية الطرف اللائم لأننا بالعادة نحب ونميل لمن يتفهمنا ويقف إلى جانبنا ويخفف عنا وليس لمن يشعرنا بضعفنا وخطأنا.


وتختم إبراهيم، يجب أن يكون التركيز في البحث عن الحلول والعمل على تحسين الأمور بدلا من إلقاء اللوم على الآخرين وعدم تحمل المسؤولية، لأن السعي في البحث عن الحلول من شأنه أن يؤدي إلى بناء الثقة بالنفس والشعور بالقدرة على التعامل مع الصعاب والتغلب عليها، ويمكن أن يؤدي إلى تحسين العلاقات بين الأفراد وزيادة الاحترام المتبادل وتطوير قدرات التعامل مع الأخطاء والمشاكل بشكل إيجابي.

 

اقرأ أيضاً: 

الاختلاف بين الناس بالأحلام والقناعات.. حينما تفقد العلاقات جوهرها

"الأسلوب" بالحديث.. حينما يحدد مكانتك في قلوب الناس