الحوار المفتوح بين الآباء والأبناء: الطريق نحو بناء الثقة

1715353279507179900
الحوار المفتوح بين الآباء والأبناء: الطريق نحو بناء الثقة

تعد علاقة الثقة والتواصل بين الآباء والأبناء أساسية لتنمية علاقات صحية ومتينة داخل الأسرة. ومن أهم الطرق لتعزيز هذه العلاقة، فتح باب الحوار بين الآباء والأبناء، مما يمكن الأطفال من التعبير الصادق عن تفاصيل يومهم ومشاعرهم.

اضافة اعلان


الحوار العائلي وفتح باب النقاش الأسري طريقة فعالة لبناء جسور من الثقة والتواصل بين أفراد الأسرة. من خلال هذا الحوار، يشعر الأطفال بالراحة والأمان في مشاركة تجاربهم ومشاعرهم مع الآباء، مما يسهم في تطوير مهاراتهم في التعبير عن الذات ويعزز فهمهم لأهمية التواصل السليم.


تحدثت هالة محمود، وهي أم لطفلين، عن التحديات التي واجهتها مع طفلها الأول في بداية تعويده على الحديث عن يومه، خاصة عما يدور معه في الحضانة.

 

استغرق الأمر منها أكثر من عامين حتى تمكنت من فتح قنوات الحوار معه وتشجيعه على التحدث بمزيد من التفصيل عن تفاصيل يومه. كانت تسأله يوميا عن يومه وما فعله وماذا أكل وإذا كان قد نام أم لا، لكن الإجابات كانت غالبا محبطة لها، إذ كان يقول إنه نسي أو لا يتذكر شيئا، أو يرد بالنفي دون تقديم تفاصيل.


لتشجيع ابنهما على التحدث عن يومه، اتبعت هالة وزوجها أسلوبا مختلفا لفترات طويلة، حيث بدآ بمشاركة تفاصيل يومهما منذ لحظة الاستيقاظ، مثل الاستحمام وتنظيف الأسنان، ثم تناول الفطور، سواء في العمل أو في المنزل، بما في ذلك الأحداث الدقيقة التي مروا بها. بعد ذلك، كانا يسألانه عن يومه وما فعله. في البداية، كانت إجابات الطفل مماثلة للسابق، ولكن بمرور الوقت، بدأ يشعر بالتشجيع وأدرك أن عليه أن يشارك يومياته مثلهما. هذا النوع من المنافسة الودية أثار حماسه، ومع الوقت وصل إلى سن العاشرة وأصبح يروي تفاصيل يومه بدقة.

 

كما تأثر به أخوه الأصغر الذي نشأ في بيئة يشارك فيها الجميع تفاصيل يومهم، سواء الأحداث السيئة أو الإيجابية.


تؤكد هالة أن مصاعب الحياة تجعلها أكثر إصراراً على الاستماع إلى طفليها والتعبير عن نفسيهما، وحوارهما معها أصبح كله ثقة ومصداقية.


المرشدة التربوية والنفسية رائدة الكيلاني، تؤكد أن الحوار يمكن الآباء من فهم تجارب أطفالهم ومساعدتهم على التعامل مع التحديات بطريقة بناءة. كما يساعد الحوار الأطفال على الشعور بالتعاطف والدعم، خاصة عندما يشعرون بأنهم مفهومون ومسموعون.


وتؤكد أن ما قامت به هالة وزوجها من صبر ومثابرة لفرض هذا النوع من الحوار ليكون سلوكا يوميا، أمر في غاية الأهمية لتعزيز الروابط العاطفية والاجتماعية داخل الأسرة، مما يخلق بيئة إيجابية وصحية.


ووفق الكيلاني، فإن فتح باب الحوار بين الآباء والأبناء هو عملية مستمرة تحتاج إلى التواصل الفعال والمستمر، وتوفير بيئة مفتوحة ومساعدة الأطفال على التعبير عن مشاعرهم بصدق، بما يسهم في بناء علاقات عائلية قوية، وأيضا مهمة لمعرفة الأبوين ما يحدث مع طفلهما عندما يبتعد عنهما.


وتشير إلى أن هناك أساليب يمكن أن تتبعها العائلات قد تجعل الأطفال يترددون بالتحدث عن مشاعرهم مع الأهل أو مشاركة تجارب سلبية حدثت لهم، ومن أهمها الخوف من العقاب، فقد يخشى الطفل الحديث عن تجارب سلبية خوفا من العقاب أو الانتقاد من قبل الآباء أو ردة الفعل المبالغ بها، ما يجعل باب الحوار والمصارحة مسدودا بوجهه.


وحسب الكيلاني، تعزيز الثقة سيجعل الأبناء يشعرون بأهمية الدعم والمساعدة، وعكس ذلك سيجعلهم يترددون في مشاركة تجاربهم، خصوصا مع الخوف من تجاهل مشاعرهم أو عدم فهمها بشكل صحيح، وبالتالي التردد في المشاركة.


اختصاصي علم الاجتماع الدكتور حسين خزاعي، يؤكد أن التفاهم والحوار والاستماع وجعل الطفل يثق بوالديه يعني بناء لبنة مجتمعية ذات ثقة، لكن الضغوط الاجتماعية لا تحدث على الأهالي فقط، وإنما هناك ضغوط تجعل الأطفال يخشون من التحدث عن تجاربهم السلبية، خاصة إذا كانوا يعتقدون أنه يجب عليهم الظهور بشكل قوي وصلب.


ويوضح أن الأهالي يعترضون على بكاء أطفالهم ويصنفونهم بأنهم ضعاف الشخصية، أو إن كان أحدهم تعرض للضرب، فيكون الصراخ من الوالدين في حال بكاء الطفل، أو مثلا إن كان تعامله مع أي موقف ليس كما يرغب الأهل، فيبدأون بنعته بصفات تجعله لا يتحدث عما دار في يومه خوفا من الوصم العائلي له.


ويؤكد أن من المهم تشجيع الأطفال على التحدث عن مشاعرهم وتجاربهم بصدق، وتوفير بيئة داعمة، حيث يشعرون بالراحة والثقة في المشاركة، كما يجب على الآباء أن يظهروا الاهتمام والاستماع الفعال لما يقوله الأطفال، ويقدموا الدعم والتوجيه عند الحاجة من دون الحكم أو الانتقاد.


ويرى خزاعي أن هناك طرقا تساعد، مثل تحديد وقت في اليوم للحديث عن تفاصيل حدثت مع الأطفال، أو حتى في الطريق من المدرسة إلى البيت، على سبيل المثال، حيث يمكن للأبناء التحدث عن مشاعرهم من دون أي انشغالات، ومن خلال استخدام القصص أو الكتب التي تتناول مواضيع مشابهة لمساعدتهم على فهم المشاعر وتشجيعهم على المناقشة.


وتعود الكيلاني لتؤكد أن الأهالي يجب أن يكونوا فعالين في تواصلهم مع أطفالهم، مشيرة إلى أن العمل المستمر لتوفير حياة أفضل للأطفال ليس أهم من الجلوس والحوار معهم. وتوصي باستخدام أسئلة فعّالة مفتوحة تشجع على التفكير العميق والمناقشة، مثل "ماذا كنت تشعر عندما...؟" أو "ما الذي يمكنني فعله لمساعدتك؟".


وتشدد الكيلاني على أهمية الاحترام والتقدير لخصوصية الأطفال، مؤكدة ضرورة عدم فرض المشاركة في المواضيع التي لا يشعرون بالراحة تجاهها. ويجب تشجيع الأطفال على فتح قلوبهم والتحدث عن مشاعرهم وأسرارهم بشكل أوسع. كذلك، فإن الحفاظ على الإيجابية والتحدث عن الأمور التي استمتعوا بها يمكن أن يشجعهم على التحدث بشكل أكثر انفتاحا.


وأخيرا، الاحترام والتقدير لمشاعرهم وآرائهم، ومحاولة أن يكون الأهل داعمين ومتفهمين حتى في اللحظات الصعبة، ما يشجع الأبناء على فتح قلوبهم ومشاركة تجاربهم معهم بشكل أكثر فعالية.

 

اقرأ أيضاً: 

تربية الأبناء في مواجهة العثرات.. دروس من الحياة تصنع قوتهم

"التربية الانفعالية" و"المبالغة بالتأديب".. ممارسات تدمر شخصية الأبناء

مشاعر الحب داخل الأسرة.. غياب التعبير يهز أركان الأمان