بحثا عن الصفح

د.لانا مامكغ

لمحت مكانا بين مركبتين، فقررت الاصطفاف بسيارتها الصغيرة بينهما للنزول إلى إحدى الصيدليات، فالطقس كان حارا، والوقت محدودا، ولا طاقة لها على المشي في الظهيرة بعد يوم مرهق في العمل.

اضافة اعلان

تقدمت نحو الأمام، ثم عادت إلى الخلف قليلا مع تحريك المقود بما يتيح لها الوقوف في المساحة المتاحة، لتكاد ترتطم بإحدى المركبتين بسبب خطأ في التقدير، أعادت المحاولة مرة أخرى، فتكرر الخطأ ذاته، ثم لاحظت شابين واقفين قريبا يرمقان محاولتها بنظرة ساخرة… فبدأت تتصبب عرقا من شدة الإحراج، إلى أن قررت الابتعاد عن المكان كله.

في تلك الليلة، وفيما كانت في المطبخ تعد وجبة اليوم التالي، حاولت تناول وعاء من أحد الرفوف العالية، فلم تتمكن، إلى أن استعانت بملعقة خشبية طويلة لتقريبه، فوقع لتلتقطه بصعوبة في اللحظة الأخيرة قبيل تكسره، وتناثر محتوياته…

حاولت فتحه، فبدا الغطاء قاسيا محكما، استخدمت ما يمكن من أدوات، دون جدوى، توجهت إلى غرفة المعيشة للاستعانة بزوجها لتجده نائما على المقعد الطويل أمام التلفزيون… فعادت لمحاولاتها المستميتة إلى أن نجحت بعد جهد مضن.

أنهت ما عليها أخيرا، واستلقت في فراشها لتتساءل بأسى عن هذا العذاب الذي تعيشه في تفاصيل يومها منذ زمن؛ كلما أرادت تغيير لمبة، أوجلدة حنفية، أواستبدال اسطوانة غاز، أو اضطرارها لمراجعة ميكانيكي السيارات على الرغم من جهلها المطبق في شؤون الصيانة، الأمر الذي يحولها إلى لقمة سائغة لاستغلال بعضهم.

تقلبت قليلا لتعود وتتساءل لماذا ترتبك في مثل هذه الأمور؟ هل لأنها امرأة؟ سرحت قليلا لتعود إلى التساؤل؛ ماذا لو كانت رجلا ؟ فتلك مهامٌ تافهة بالنسبة لهم، ينجزونها ببساطة وسهولة ودون تفكير… 

لو كانت رجلا، لكانت هي النائمة بسلام الآن، وهو الذي ذاق الأمرين في ساعات يومه الطويل بدلا منها!

في اليوم التالي، وخلال استراحة مع بعض الزميلات سألتهن: "من منكن تتمنى لو كانت رجلا؟ "فأجابت إحداهن بعد تنهيدة طويلة: " يا ريت… "وعلقت أخرى: " فكرة طريفة، وباهرة فعلا،" أما الأخيرة فقالت بأسى: " هذه أمنيتي منذ كنت طفلة لما حرموني من اللعب بحجة أني صرت صبية… كم كنت أغار من الأولاد حينها، وما أزال أغار من جنس الرجال كلهم حتى يومنا هذا…"

ابتسمت، ليخطر لها توجيه سؤال معكوس إلى الرجال، فبدأت بالمراسل إذ كان أول من لمحته حولها، وسألت: "هل تمنيت يوما لو كنت امرأة؟ " فارتجت الصينية في يده ليقول بدهشة وحزن:" بعيد الشر … الله يسامحك يا أستاذة، هل قصرت معك حتى تسأليني مثل هذا السؤال؟"

في المساء وخلال زيارة لأهلها وجهت السؤال ذاته لأحد إخوتها، فوجدته يرمقها بنظرة نارية ويقول: "ألن تنتهي عقدكن يا نسوة؟ لا أسمح لنفسي بالتفكير في مثل هذه التفاهات… أظن أن الإجابة قد وصلتك الآن" وأدار وجهه لها ومضى…

في السهرة، وفيما كان زوجها يغالب النعاس وهو يشاهد الأخبار، وجهت له السؤال إياه، فانتفض ليصيح بغضب: " هذه إهانةٌ لا أقبلها… ولن أقبل أي اعتذار عنها" وقام فجأة ليذهب إلى غرفته وهو يغمغم بكلام لم تفهمه.

ومن يومها وهي تحاول مصالحته … دون جدوى.

المقال السابق للكاتبة

للمزيد من أخبار الكاتبة انقر هنا