إلى متى؟

د. لانا مامكغ
د. لانا مامكغ

د. لانا مامكغ

نُخطئ في استخدام اللغةِ أحياناً، إمّا بسبب السّهو، أو بسببِ الأخطاء المطبعيّة المعروفة، هذا كلّه قد يكونُ مفهوماً، أمّا الذي يستعصي على الفهم، فهو أنْ يُخطئ الإعلاميّون، وخاصّة قرّاء الأخبار في قنواتنا المحليّة، التلفزيونيّة والإذاعيّة، وأنْ تتكرّرَ الانتهاكاتُ الّلغويّة يوميّاً على رؤوسنا نحنُ المبتلين بمتابعة الأخبار الصّباحية.

اضافة اعلان

وإليكم ما نسمع؛ جملة مثل «تنسيقُ الجهودِ كافّة...» تُلفظ: «طنصيق كافّة أل- الجهود».

بمعنى أنَّ الجهلَ بالّلغة قد وصل إلى نطق الحروف، فتشوّه جِرْسُها الجميل، واختلطَ الحابلُ بالنّابل، كما أنَّ الألف في «ال» التّعريف لا تُنطق وسط الجملة أبداً، اللام تُلفظ فقط إذا كانت الكلمة قمريّة، ولا تُلفظ إن كانت شمسيّة...

هذه معلوماتٌ تُدرّسُ في المرحلة الابتدائيّة، ويُعاد تدريسُها في المتطلّبات الجامعيّة، رغم ذلك كلّه؛ نجد أنَّ معرفة الفرقِ بين همزتيْ القطع والوصل غائبٌ ومُهمل في أكثر الأحيان، ويُعامل على أنّه لزوم ما لا يلزم...

علماً أنَّ موسيقا اللغة قائمةٌ على حُسن نطقهما، لكن لا أثرَ لأيّ نوعٍ من الملاحظة والمتابعة، أو الاهتمام من مسؤولي القنوات، أو من المدقّقين اللغويين.

وكذلك القول «طحقيق» بدل «تحقيق»... وجمع وفاة: وفيات دون تشديد للياء، وجمع كفْء هو أكْفاء، بتسكين الكاف، وليس أكِفّاء، بكسرها، لأنّها هنا تكون جمع «كفيف»... ولا داعي للقول: «تمَّ افتتاحُ المعرض من قبل فلان، بل الصّحيح «افتتحَ فلانٌ المعرض»...

وثمّة مذيعة أخبارٍ صباحيّة يختلطُ عليها مصطلحا «الفاعل، والمفعول به» فترفع وتنصب كيفما اتّفق، دون أنْ تدري أنْ الخلطَ بينهما في عالم السّياسة أمرٌ جلل له ما بعده!

ودون إطالة، فالهدفُ هنا ليس درساً في اللغة العربيّة، بقدْر ما هو تذكيرٌ أنَّ ما سبقَ جميعُه ليسَ ضمن علوم الفيزياء النّووية... بل هي مهاراتٌ بديهيّة قد تُكتسبُ ببعض المران والمتابعة، وببعض الاحترام للمهنة وللغة، ولخلقِ الله الصّابرين!

ما يُثيرُ الإشفاق هو أنَّ اللغةَ العربيّة مادّةٌ يدرسها الطّلبةُ من مستوى الحضانة إلى الجامعيّة كما أسلفت، وتخضع لامتحانات شهريّة وفصليّة سنويّة، وتُكلّفُنا مالاً ووقتاً وجهداً، فكيف يحدث أنْ يُنهيَ الطّالبُ المراحلَ كلّها بنجاح، ليعجزَ في النّهاية عن كتابةِ أو قراءة نصٍّ صغير دون أخطاء فادحة؟

ألا يستدعي الأمرُ إعادة نظر؛ إمّا في المناهج المُثقلة بما لا يستخدمه الطّلبة في حياتهم اليوميّة من مهاراتٍ لُغويّة ضروريّة، أو في أداء المدرّسين الذين قد يتفنّنُ بعضُهم في تعقيد المحتوى، أو في أيّ عائقٍ يُنقذُ ما تبقّى من لغتنا؟

وأخيراً، إلى متى سنبقى نشخّصُ المرضَ دون أيّ محاولة لإيجاد العلاج؟

المقال السابق للكاتبة

للمزيد من مقالات الكاتبة انقر هنا