تثبيت التصنيف الائتماني للمملكة: مزيد من الثقة بالاقتصاد الوطني

مبنى "ستاندرد آند بورز" - (أرشيفية)
مبنى "ستاندرد آند بورز" - (أرشيفية)
يوسف محمد ضمرة

رغم تلاطم الأمواج التي تعصف بالعديد من اقتصادات دول المنطقة، استطاع الاقتصاد الأردني اكتساب ثقة المجتمع الدولي بفضل الالتزام القوي بنهج الإصلاح الاقتصادي وانضباط أداء المالية العامة والسياسات النقدية الحصيفة.

وكالة التصنيف الائتماني “ستاندرد آند بورز” ثبتت التصنيف الائتماني السيادي للأردن خلال العام الحالي عند B+/B، حيث حافظت على نظرة مستقبلية مستقرة للمملكة بالرغم من ارتفاع أسعار النفط والغذاء في ظل الأزمة الروسية الأوكرانية وتداعيات جائحة كورونا. ويشهد العالم موجة من ارتفاع أسعار السلع والخدمات نتيجة الحرب الأوكرانية الروسية، حيث قفزت أثمان القمح والشعير إضافة إلى النفط، السلعة الارتكازية، بمستويات مرتفعة عصفت باقتصادات دول مختلفة حتى المتقدمة منها. إلا أن المجتمع الدولي نظر بإيجابية إلى الاقتصاد الوطني، خصوصا مع التزام قوي بنهج الإصلاح، لتأتي ثمرة تلك الجهود بقيام وكالة موديز للتصنيف الائتماني برفع التصنيف الائتماني السيادي للأردن طويل الأجل من مستوى “B1-مستقر” الى “B1-إيجابي”، ويُعزى تغيير النظرة المستقبلية للأردن الى إيجابية التزام الحكومة الأردنية بتنفيذ حزمة واسعة من الإصلاحات. ولم يكن هذا هو حال وكالة موديز فحسب، فخلال منتصف الشهر الماضي، كانت زيارة بعثة صندوق النقد الدولي للمملكة من قبل رئيسها علي عباس، ليصار إلى الإعلان عن نجاح المراجعة الخامسة مع صندوق النقد الدولي ضمن برنامج “تسهيل الصندوق الممدد”، وهذه شهادات مهمة من مؤسسات اقتصادية كبيرة يُعتد بها دولياً. الاصلاحات الهيكلية، لا سيما في جانب المالية العامة، منحت الوضع الائتماني للأردن المرونة والقوة، خصوصا أنه تم تنفيذها من دون لجوء الحكومة لزيادة الرسوم والضرائب، وهو نهج وزارة المالية في السنوات الأخيرة من خلال زيادة التحصيلات بتوسيع القاعدة الضريبية ومحاربة التهرب الضريبي، لترتفع الإيرادات العامة التي بنيت عليها فرضيات مشروع قانون الموازنة العامة للسنة المالية 2023. ويبلغ عدد الإجراءات الإصلاحية التي نفذتها الحكومة بالتزامن مع بدء برنامج الاصلاح مع صندوق النقد الدولي 15 إجراء، تم تصميمها وتنفيذها بكوادر أردنية، ما عزز من منعة الاقتصاد لمواجهة الأزمات. وارتفع معدل النمو الاقتصادي ليُسجل نسبة 2.5 % خلال الربع الأول من العام 2022، بينما ارتفع إلى 2.9 % خلال الربع الثاني، ما دفع صندوق النقد الدولي في مراجعته إلى رفع توقعات النمو الاقتصادي للعام 2022 من 2.4 % إلى 2.7 %، في وقت خفض الصندوق توقعاته للنمو للعديد من الدول. دراسة حديثة لصندوق النقد الدولي خلصت الى ” ان الدعم الحكومي عامل حيوي في مساعدة الأفراد والشركات على تجاوز مرحلة الإغلاقات العامة التي فرضتها جائحة كورونا ودعم التعافي الاقتصادي”، غير أنه في حالة التضخم المرتفع الذي يراوح مكانه، لا يوجد مبرر للدعم المالي المعمم. وقد تراجعت معظم الحكومات بالفعل عما كانت تقدمه من دعم أثناء الجائحة. النجاح الآخر يتجسد في المحافظة على نظام سعر صرف ثابت للدينار، والذي يدعمه توفر مستوى مرتفع من الاحتياطيات الدولية تتجاوز 16 مليار دولار، مع حرية كاملة في تحويل الأموال وتدني المخاطر المرتبطة، بخلاف بعض الدول التي باتت سياستها النقدية عاجزة عن مجابهة الظروف العالمية. وأشادت بعثة النقد الدولي بسياسة سعر الصرف الثابت للدينار الأردني مقابل الدولار الأميركي، والتي تخدم الاقتصاد الأردني، حيث يتحرك البنك المركزي الأردني بحزم برفع أسعار الفائدة للحفاظ على الاستقرار النقدي والمالي انسجاما مع اجراءات الاحتياطي الفيدرالي الأميركي، يدعمه في ذلك المستوى القائم والآمن للاحتياطات من العملات الأجنبية لمواجهة حالة عدم اليقين في البيئة الخارجية. وسياسة ربط الدينار الأردني بالدولار الأميركي، مكنت المؤسسة المستقلة (البنك المركزي) من اتخاذ القرارات اللازمة واستخدام أدواتها النقدية بما يخدم هدفها الرئيسي بالحفاظ على الاستقرار النقدي، والذي يعد علامة فارقة للاقتصاد الوطني في ظل محيط مضطرب. من ناحية أخرى، الارقام تؤكد أن المملكة ليست مكاناً طارداً للاستثمارات الأجنبية، حيث تدفق صافي استثمارات إلى المملكة في العام 2020، بنحو 1440 مليون دولار، وفقا لمسح الاستثمار الأجنبي، الذي تم تنفيذه من قبل البنك المركزي بالتعاون مع دائرة الاحصاءات العامة. أما التضخم، فقد بقي في المملكة عند مستويات معتدلة نحو 5 %، رغم موجة ارتفاعه عالميا إلى أضعاف، وفي بعض البلدان وصل فيها فوق 8 %. كل هذه الإنجازات تؤكد أن الاقتصاد الوطني يسير بخطوات ثابتة نحو التعافي الكلي، والذي لا بد أن نقطف ثماره خلال وقت قريب.

اقرأ المزيد : 

اضافة اعلان