تداعيات على عتبة العام الجديد

مالك العثامنة “لكنها تدور”. وحسب الرواية التاريخية فتلك عبارة نطق بها العالم الإيطالي “غاليليو” عندما اتهمته السلطة الدينية بالهرطقة وقد قرر بمنطق علمي أن الأرض تدور حول الشمس. مخالفا قواعد تلك السلطة بعكس ذلك وكان معرضا لإدانة قد تهلك حياته فاضطر إلى التراجع عن الحقيقة العلمية التي توصل إليها لينقذ نفسه وبعد أن نفذ من الموت همس – حسب الرواية- بعبارته تلك”.. لكنها تدور”! حسنا، لقد ثبت أن الأرض تدور حول الشمس كما تدور على نفسها، ودورانها الرتيب هذا منذ الأزل الذي عرفه الإنسان هو ما بنينا عليه تقاويمنا الزمنية فكانت الأيام والشهور والسنوات. ومن وجهة نظر الطبيعة، فإن العام الجديد “الذي نحتفل به” ليس أكثر من اكتمال دوران آخر. لكننا كبشر “محكومون بالأمل” على حد قول سيد المسرح السوري الراحل سعد الله ونوس، ولأننا تحت حكم الأمل فنحن موهوبون بالأمنيات، تلك التي تملأ نفوسنا بالأفضل لعام جديد، لدورة جديدة حول الشمس، وهذا الأفضل الذي نتمناه ليكون حقائق هو نسبي ومتعدد، يبدأ من عبارة فضفاضة مفادها “السلام للكوكب ومن عليه” وتضيق إلى أمنيات شخصية بالنجاح والثروة والصحة وكثير من “حسن الحظ”. لكنها لا تزال تدور، بطبيعة باردة لا تعرف العواطف ولا تكترث أصلا للأمنيات، ونحن محكومون دوما بالأمل. وفي بقعة سُميت الشرق الأوسط، وهو شرق أخذ موقعه الأوسط على كوكب كروي أيضا حسب رؤية بشرية في المقاييس، في هذه البقعة “الشرق الأوسطية” تتوالد الأزمات منذ بداية التاريخ البشري المعروف، لقد ظهرت فكرة “المقدَّس” لأول مرة في هذه البقعة حسب ما يرويه لنا التاريخ، وبالتزامن مع تلك الفكرة كانت الأزمات والحروب باسم المقدسات – التي تشبه الأمنيات بالنسبية والتعدد- عنوانا لهذه الجغرافيا. ولأننا – رغم دورانها البارد وغير المكترث- محكومون بالأمل، ربما علينا أن نضع الأمنيات في سياق أكثر وضوحا ودقة ضمن جدول اعمال حقيقي وجاد وواقعي للخروج من كل أزماتنا لا في الإقليم وحده بل في العالم. فلنتفق على مفهوم “الإنسان” كفكرة مطلقة لا قيود عليها ولا شروط. الإنسان عنوانا لأجندة العام الجديد، تلك الدورة الجديدة حول الشمس. سنبتسم للفكرة ببهجة طفولية، ثم حين تختفي “الطفولة بكل براءتها” من داخلنا ونشرع بالتفكير “العقلاني” سنجد أنفسنا نضع الشروط والقيود على تعريف “الإنسان”، فنحن كما أننا محكومون بالأمل، فإننا مجبولون على الجدل. لا بأس، سنختلف.. لكن الجدل والاختلاف قد يفتح لنا طرقا جديدة في “دورتنا الجديدة حول الشمس”، هكذا هو التاريخ، تعاقب أيديولوجي للأحداث وليس تتابعا اعتباطيا لها. في عالمنا الصغير الذي قررنا أنه شرق العالم وأوسطه كذلك، علينا التمسك بالأمل في تغييرات جديدة تخرجنا ولو قليلا من دوامة الأزمات التي توالدت عبر التاريخ، ربما الفكرة الأكثر عقلانية كانت في “الدورة الماضية للأرض حول الشمس” أننا أدركنا مفهوم “التكامل والتعاون” بين الدول. هي فكرة يمكن البناء عليها للدورة الحالية “العام الجديد” وربما نصل في الاكتمال القادم لدوران الأرض حول الشمس إلى إقليم فيه كثير من الأمل بالأمن الغذائي والتعاون الإقليمي في الطاقة وكثير من الدفء الذي نتبادله حتى وإن بقينا مختلفين! الأمل لا يكفي، لا بد من إرادة تدفع هذا الأمل، وتلك الإرادة تتطلب وعيا بالواقع خارج إطار “التطرف الإقصائي” سياسيا كان او دينيا، والبحث عن الأفضل الموجود لدينا لا التيه في “الأمنيات المستحيلة”. نحن دوما “محكومون بالأمل” لكنها دوما ستدور بلا توقف، وسنظل نردد “على الأرض السلام وفي الناس المسرة والرجاء الصالح لبني البشر”. المقال السابق للكاتب  قلق معلناضافة اعلان