خيارات إيران اليمنية

في الأسبوع الرابع للحملة الجوية على جماعة أنصار إيران الحوثية في اليمن، ارتفع منسوب القلق، المعبر عن إدراك عميق بنشوب أزمة مباغتة  لدى طهران، بدت أعلى بكثير مما كان عليه من قبل، وفق ما تشير إليه التصريحات الغاضبة، والهجمات الكلامية الضارية، ناهيك عن التهديدات المبطنة، الصادرة عن عدد من الناطقين باسم نظام الملالي، بمن فيهم حسن نصرالله زعيم حزب الله، الذي بدا كرأس حربة في الهجوم الانفعالي ضد السعودية.اضافة اعلان
ولعل السؤال الذي يلهج به هذا الغضب الإيراني، المشوب بقلة الحيلة والشعور بالعجز والتقصير حيال ما يتهدد جماعة الحوثي من هزيمة، هو: كيف يمكن للدولة الإقليمية العظمى أن تحافظ، وقد وقعت الواقعة، على صورتها مرهوبة الجانب، إذا تم دحر حليف معول عليه لتعزيز النفوذ الإيراني، ومدّه إلى كامل إقليم شرق المتوسط؟ وكيف لطهران أن تدرأ عن حلفائها الآخرين عقابيل افتضاح ضآلة قدرتها على نجدتهم إذا تعرضوا لعاصفة حزم مماثلة؟
وقد تكون أشد الخسائر الإيرانية المعنوية، وأكثرها فداحة سياسية، المتحققة على رؤوس الأشهاد منذ بدايات هذه الحملة الجوية المستمرة، ماثلة في انكشاف قلة خيارات الدولة التي بثت عن نفسها انطباعاً قوياً في محيطها، مفاده أن أحداً لا يستطيع أن يدوس على ظلها في هذه المنطقة، وأن سياسة الفم الكبير (Big Mouth Policy) التي اعتمدتها إزاء جيرانها، وسوقتها ببراعة، بدت كحبات "جوز فارغ" عند أول اختبار جدي لها؛ وهو أمر يثلم الصورة والمصداقية، ويصيب قوة ردعها في مقتل.
وأحسب أن السعودية، التي اتخذت أهم قرار حربي في تاريخها، وضعت "تقدير موقف" قبل أن تخرج إلى المعركة، درست فيه الوضع، وحسبت مخاطره بدقة، بما في ذلك؛ ما الذي ستكون عليه ردود الفعل الإيرانية؟ وما هي الخيارات المتاحة لدولة لم تنكسر لها شوكة منذ الحرب العراقية-الإيرانية؟ هل تستطيع طهران تجاوز حدود الوعيد والتهديد، إلى فتح مواجهة حربية؟ ثم، ما هي قدرات إيران العسكرية التي يستطيع آيات الله تفعيلها، إذا تم انتزاع زمام المبادرة من بين أيديهم؟
لا نود أن نتورط في قراءة ميزان القوى العسكرية المجردة، فمثل هذا الأمر له أربابه من المحللين العسكريين. إلا أننا نعلم، مثلاً، أن القوة الجوية لأصغر دولة في التحالف العربي كالبحرين، تتفوق بشكل كاسح على نظيرتها الإيرانية، وأن سلاح البحرية الإيراني قديم، قوامه الأساسي زوارق سياحية معدلة، وأن الدولة التي عجزت طوال ثماني سنوات الحرب مع العراق عن إغلاق مضيق هرمز، ليس في وسعها فعل ذلك في باب المندب، وأن سياستها في العراق متعثرة، وفي سورية متراجعة، فما الذي يمكن للتحالف العربي، والحالة هذه، أن يخشاه من ردود فعل إيرانية؟
هكذا، فإن أقصى ما تستطيع إيران وأذرعها في المنطقة القيام به في هذه الآونة، هو دفع جماعة الحوثي إلى القيام بتعرض عسكري على الحدود اليمنية-السعودية. وهو أمر حرض عليه حسن نصرالله وعدد من المسؤولين الإيرانيين صراحة. ومع أن هذا التطور وارد بالفعل، إلا أنه كان مأخوذاً في حسبان السعوديين سلفاً، بدليل كل هذه الاستعدادات الاستباقية، وكل هذه الضربات الإجهاضية المتلاحقة، لكل تحرك حوثي يمكن أن يعيد بناء مركز قوة.
وإذا كان هناك من مراهنة إيرانية على توريط التحالف العربي في حرب برية، وإقحام السعودية في معركة استنزاف طويلة، فإن التطورات الداخلية اليمنية المتسارعة، بما في ذلك ظهور مقاومة شعبية متنامية، وبروز أحلاف قبلية وازنة، ناهيك عن تزايد الانشقاقات في القوات النظامية الحليفة للحوثيين، تشير في مجموعها إلى انتفاء الحاجة إلى الدخول في معركة برية، حتى لا نقول إن وجود أكثر من مئة زعيم قبيلة في الرياض الآن، سوف يضع بين أيدي القيادة السعودية قوة ضاربة قادرة على إسقاط آخر أوراق الرهان الإيرانية.
وتكفي نظرة على مآلات المبادرة الإيرانية لوقف إطلاق النار، وما قوبلت به من تجاهل إقليمي ودولي شامل، كي نرى بأم العين أن طهران خالية الوفاض، بلا حيلة ومعزولة، وليس في جعبتها غبر هذه الجعجعات الفارغة، لاسيما أنها تدرك أن لدى التحالف العربي نحو 360 طائرة "إف 16".