صالونات تجميل تتحول إلى مقاهٍ بعيدا عن الرقابة!

رسم تعبيري لصالون تجميل يقدم الأرجيلة بريشة الزميل احسان حلمي - (الغد)
رسم تعبيري لصالون تجميل يقدم الأرجيلة بريشة الزميل احسان حلمي - (الغد)

منى أبو صبح

عمان- حالة من الذهول سيطرت على الثلاثينية مروة عندما همت بدخول أحد صالوت عمان الغربية للتجميل ذي الشهرة الواسعة؛ إذ شاهدت سحبا من دخان السجائر والأرجيلة تغطي سماء الصالون، الذي بدا ضيقا من كثرة الزبائن. حيرة أصابتها، وتساءلت: هل أعود أدراجي أم أنتظر دوري الذي حجزت له قبل ثلاثة أيام؟!
أسئلة استنكارية كثيرة بدأت تطرق رأس مروة غير المدخنة والحامل بالشهر الثالث؛ أبسطها هل هذا صالون تجميل أم كوفي شوب؟ وهل أبقى أم أغادر من أجل سلامتي وسلامة طفلي، وهل هذا مسموح أم ممنوع؟، وما ذنبي أن أستنشق دخانا وأنا غير مدخنة؟
قررت مروة إبلاغ مسؤولة الصالون بانزعاجها من رائحة التدخين وبأنها حامل، لكن الأخيرة لم تأبه بالحديث كله وقابلت السؤال باستخفاف وضحك، حينها أدركت مروة أنه من الصعب عليها أن تبحث الآن عن صالون آخر، فليس لديها متسع من الوقت، فانتظرت دورها بامتعاض، واكتفت بالتعبير عن رأيها.
التدخين أمر بات رائجا في صالونات تجميل السيدات، بغية جذب زبائن جدد يعشقون ممارسة هذا السلوك السلبي، وبالتالي تحقيق ربح مالي، وسط ضعف في تطبيق تعليمات وزارة الصحة التي تؤكد أن التدخين في صالونات التجميل للسيدات كما هو في الأماكن العامة المغلقة محظور، وفق تصريح الناطق الإعلامي في وزارة الصحة حاتم الأزرعي.
ويعرف قانون الصحة العامة المكان العام بأنه “المكان المعد لاستقبال الكافة أو فئة منهم، وبما أن الصالونات يرتادها العامة وهي مغلقة، فإنه ينطبق عليها حظر التدخين تحت طائلة المسؤولية القانونية”، حسب ما أشار إليه الناطق الإعلامي في وزارة الصحة حاتم الأزرعي.
وتتفق الناطق الإعلامي وعضو مؤسس في جمعية “لا للتدخين” الدكتورة لوريسا الور برأيها مع الأزرعي، قائلة “تندمج صالونات التجميل تحت مسمى الأماكن العامة، وعادة هذه الصالونات محدودة المساحة، والتهوية فيها سيئة، إضافة لوجود المواد الكيمياوية (الصبغات، الأسيتون، المناكير..) وتنتشر منها روائح قوية”.
ويؤكد لـ”الغد” أن وزارة الصحة لم يصلها شكاوى حول التدخين في الصالونات”، موضحا أن المواطنين يمكنهم الإبلاغ من خلال مديريات الصحة في المحافظات، أو من خلال مديرية الإعلام والتوعية الصحية في الوزارة، سواء بالاتصال الهاتفي أو بكتابة الشكوى خطيا.
تفاعل التبغ مع صبغات الشعر قد يسبب السرطان
وخطورة التدخين في صالونات التجميل تفوق خطورة ممارسة هذا السلوك في أي مكان آخر؛ إذ كشف علماء بريطانيون تابعون لشركة “غرين كيميكالز”، وكما ورد في صحيفة “ديلي ميل” البريطانية الصادرة في العام 2013، أن المواد الكيمائية الموجودة في صبغات الشعر الدائمة، يمكن أن تتفاعل مع مادة التبغ في السجائر وغيرها من الملوثات في الهواء، لتصبح أحد أكثر الأسباب قوة للإصابة بالسرطان.
صالونات تجميل تتحول لمكاره صحية
لم يتردد مصفف الشعر (هاني) في قبول طلب (مادلين) إحدى زبوناته التي أرادت المجيء لصالون التجميل وصديقاتها لتزيين أنفسهن وبرفقتهن (الأرجيلة)، تفاديا من خسارة هذه الزبونة التي تعد وصديقاتها من مرتادات الصالون، وفي الوقت ذاته يعطي صفة لصالونه أمام زبائنه أنه “كول” ومن مؤيدي الحرية الشخصية، حسب قوله لـ”الغد”.
فادية (اسم مستعار) مالكة أحد صالونات التجميل في منطقة بيادر وادي السير، تقول “لا نشعل الأرجيلة بوجود الزبائن، بالمقابل لا نستطيع منع السيدة من إشعال سيجارة، فهي حرية شخصية، وإن منعت ستتجه لصالون آخر”.
ظاهرة الأرجيلة استهانة بأرواح غير المدخنين
مدير مكتب مكافحة السرطان في مركز الحسين للسرطان، الدكتور فراس هواري، يرى أن ظاهرة توفر (الأرجيلة) في صالونات التجميل “مقلقة وخطيرة”، مشيرا إلى أنها استهانة بأرواح غير المدخنين، النساء الحوامل، الأطفال، وكبار السن.
ويبدي استغرابه من عدم وجود رقابة داخل صالونات تجميل السيدات، مشيرا إلى أهمية إرسال (ضابطة ارتباط) للكشف عما يجري داخلها من اختراقات للقوانين، مؤكدا “أن التدخين في صالونات التجميل اختراق لجميع حقوق الإنسان، ويندرج تحت قائمة العنف الأسري، فهناك أطفال برفقة أمهاتهم”.
وشدد على ضرورة اتخاذ العقوبات القانونية الفاعلة الرادعة بحق كل شخص خالف القانون وتسبب بإيذاء الآخرين.
وتتساءل الور، في حديثها لـ”الغد”، “ما ذنب السيدة غير المدخنة أن تتأثر سلبا من دخان الأخريات، سواء من الناحية الصحية أو من حيث اعتلاق الرائحة بالشعر والملابس، وهي بالأساس جاءت لتجميل الشعر والبشرة”.
وتوضح الور “لسنا ضد المدخنين، ولكن القانون يحمي الجميع للمدخن وغير المدخن، فقد تكون هناك سيدة حامل في الصالون، وهنالك عامل أو عاملة لا تدخن، وطفل صغير”.
وتشير إلى أن هناك عددا من أصحاب الصالونات أنفسهم يطالبون بتطبيق هذه القوانين على الزبائن أنفسهم، وفق الور، كونهم يشعرون بالحرج أمام الزبون (المدخن)، وينبغي تفعيل التعديلات بتطبيق غرامات أقوى (10 دنانير) إلى (100 دينار) مخالفة التدخين في مكان عام، واستبدال غرامة (1000) دينار بغرامة (3000) دينار.
92 % يعارضون التدخين في صالونات التجميل
هناك رفض شعبي للتدخين والأرجيلة في الصالونات، هذا ما توصلت إليه نتائج استطلاع أجرته “الغد” على عينة مقامها 100 مفردة من النساء والرجال في ظل افتقار الأردن لدراسات علمية تبحث في ظاهرة التدخين في صالونات التجميل كونها من الظواهر الجديدة في مجتمعنا وباتت تلاقي قبولا لدى أغلب السيدات وسط بيئة داعمة لها.
وتوصلت النتائج إلى أن 92 % غير مؤيدين للتدخين في الصالونات منهم 49 من الرجال و43 من النساء، والتزم 2 من المبحوثين جانب الحياد، بينما لم يعارض 6 أشخاص التدخين في الصالونات وهي نسبة منخفضة جدا.
النساء أكثر فئة متضررة، كانت لهن وجهة نظر حسب الاستطلاع، بأن انتشار هذه الظاهرة يعود لأن صالونات التجميل مكان مغلق وخاص، ولا تكثر عليه الرقابة، وعليه تزداد التجاوزات في التدخين وتوفير الأرجيلة.
كما اعتبرت غالبيتهن أنه منظر غير حضاري، وغير صحي، خصوصا عندما توفر الصالونات (الأرجيلة) لجلب الزبونات وإرضائهن، وعليه تتعرض السيدات غير المدخنات والأطفال للتدخين بشكل (إجباري) وليس (اختياريا)، وتتزايد الروائح المنبعثة من دخان السجائر ونكهات المعسل، إلى جانب الروائح المنبعثة من المواد الكيمياوية المختلفة.
ومن وجهة نظر الرجال، فقد أشاروا إلى أن التدخين في صالونات التجميل أمر غير مقبول اجتماعيا وله مضار عدة تؤثر على صحة السيدات المدخنات وغير المدخنات والعاملات، مرجحين سبب ذلك غياب الرقابة عن هذه الأماكن.
وطالبوا السيدات بالامتناع عن الذهاب لصالون تجميل يوفر (الأرجيلة) حفاظا على صحتهن وجمالهن، فالتدخين يسبب الشيخوخة والعجز المبكر، مؤكدين أهمية دور الأزواج في إرشاد وتوعية زوجاتهم بالابتعاد عن هذه الأماكن واتخاذ القرار بمقاطعة الصالونات المشجعة لعادة التدخين، وخصوصا أن البدائل متوفرة لهن.
وبناء على ذلك، طالب غالبية المبحوثين من السيدات والرجال بضرورة تفعيل القانون الخاص بـ”منع التدخين في الأماكن العامة” بوضع (يافطة) “ممنوع التدخين” والالتزام بها، وفق استطلاع “الغد”.
الصالون “منفذ ومحفز”المراهقات للتدخين
وحسب المسوحات العالمية لتعاطي التبغ، فإن أكثر الأعمار التي تتراوح بين 13 و15 تجرب عادة التدخين، وبخاصة إن وجدت بيئة مشجعة وداعمة لقرار التجربة.
الطالبة رانيا (15 عاما) تبين أنها تذهب لأحد صالونات التجميل باستمرار للتزيين والاستمتاع بالأجواء مع الزبائن هناك، تقول “تجمعني علاقة طيبة مع العاملات في الصالون، وتأتي صديقاتي هناك.. ندخن.. نستمع للأغاني بعيدا عن الأنظار”.
ويشير الخبير الاجتماعي د. حسين الخزاعي، إلى أن إقبال المراهقات على التدخين في الأماكن العامة والمغلقة وبعيدا عن الرقابة يدفعهن لـ”الإدمان” والتدخين بكميات كبيرة.
وأكد الخزاعي أن الحديث عن الأضرار الصحية للأرجيلة يجب أن يواكبه التوجيه بالأضرار الاقتصادية والاجتماعية والنفسية للأرجيلة، فهي مكلفة ماديا وتؤثر على دخل الأسرة، وأيضا القلق والتوتر والعصبية في حال الإدمان عليها وعدم توفرها حين الحاجة، وبلا شك فإن ضررها وخطورتها الصحية يزدادان في الأماكن العامة.
ورغم أن أغلب مالكات الصالونات يتحرجن من منع زبائنهن من التدخين كونه مصدر رزقهن، إلا أن الأربعينية أم رامي تلقي اللوم عليهن بعدم تطبيق قانون منع التدخين في الأماكن المغلقة ووضع (يافطة) “ممنوع التدخين”، وتقول “أتضايق كثيرا من رؤية الدخان واستنشاقه من قبل الفتيات الصغيرات، وصراحة قمت بتغيير أكثر من صالون تجميل بسبب الدخان”.
من حقي الذهاب إلى مكان خال من التدخين
تطالب الور بتطبيق القانون، ولا يستطيع أي شخص بفرض (التدخين القصري)، وتقول “تجد الجمعية متنفسا للتعبير عن رأيها عبر نشر شكاوى عن التدخين عبر مواقع التواصل الاجتماعي”.
وتتفق معها الخبيرة في مكافحة التدخين ومعالجة الإدمان على التبغ د.هبة أيوب، بقولها “نعلم جميعا أن صالون التجميل مكان صغير وعام، لذا يجب أن يكون خاليا من التدخين أو الأرجيلة”، موضحة أن دخان الأرجيلة أكثر ضررا من دخان السيجارة، وعندما تكون المساحة ضيقة فإن استنشاق أول أكسيد الكربون يقدر بنسبة 20-30 % على خلاف الأماكن المفتوحة وفي الهواء الطلق.
وتشير أيوب إلى أن المدخن نفسه في الأماكن المغلقة يتعرض للتدخين السلبي، إلى جانب التدخين القصري على غير المدخنين، مؤكدة أن التدخين تأثيره أكبر على المدخن أو غير المدخن المصاب بالسرطان، و(التدخين السلبي) يقلل من فرص النجاة لديه.
“السم الأسود”.. يقتل الأنوثة ويؤدي إلى شيخوخة مبكرة
اقتضت الفطرة أن المرأة هي مصدر الجمال والرقة والعذوبة، و(السم القاتل) يقضي على ذلك كله! أظهرت الأبحاث والدراسات أن الشيخوخة المبكرة سببها التدخين، إلى جانب العديد من الآثار السلبية التي تؤثر على المظهر الخارجي للفتاة.
ومن هذه الآثار، كما تقول أيوب، تجاعيد وخطوط حول العينين والفم والشفاه، بشرة غير صحية باهتة تفتقر إلى معالم الحيوية والبريق، رائحة الفم السيئة، الرائحة المنبعثة من السيدة المدخنة، اصفرار الأسنان، جفاف الشعر، اصفرار أصابع اليد، وهي علامات يمكن التخلص منها وملاحظة الفرق خلال (14 يوما) من الإقلاع عن التدخين.
الأرجيلة.. تدمر صحة الزبائن
لم يرق للأربعينية حنين مشهد تدخين (الأرجيلة) في أحد صالونات التجميل في منطقة الدوار الثامن، ليقينها بأنه منظر غير حضاري ومرفوض مجتمعيا في أماكن غير مخصصة له.
تقول “لم أستطع احتمال رؤية (الأرجيلة) صغيرة الحجم تتنقل بين الزبائن، فطالبت مسؤولة الصالون بإيقاف هذه الممارسة السيئة التي تسهم في تدمير صحة الزبائن، وبالفعل استجابت”.
دور الزوج في التوجيه والإرشاد
تقصد الثلاثينية أم مأمون أحد صالونات التجميل، لتتمكن من تدخين الأرجيلة، وبعد مضي ساعتين من الزمن تسارع لتنهي مهامها المنزلية قبيل عودة زوجها من العمل، مؤكدة أنه لو اكتشف بأنها (تدخن الأرجيلة) سيقوم بتطليقها.
وفي هذا الصدد، يوضح الخزاعي أن للزوج دورا مهما في عملية التوجيه والإرشاد والتوعية داخل الأسرة من الأضرار الجسمية التي يتعرض لها الإنسان بسبب تدخين الأرجيلة وبخاصة السيدات، وأن هذا يؤثر على صحتها وصحة جنينها إن كانت حاملا.
ويشير إلى ضرورة معرفة صالون التجميل الذي تذهب له الزوجة وهل يقدم خدمات التدخين أو الأرجيلة أم لا، وإذا كان يقدم هذه الخدمات يجب عليه توجيهها لعدم الذهاب إلى هذا الصالون، مشددا على ضرورة أن يكون الزوج قدوة ونموذجا في التوجيه والإرشاد وأن لا يقوم بتدخين الأرجيلة في البيت أمام الزوجة والأولاد.
التعديلات والقوانين الخاصة بمنع التدخين في الأماكن العامة
ويبين الأزرعي “أن أبرز التعديلات المقترحة حتى الآن في الأروقة التشريعية تتعلق بتوسيع نطاق تعريف المكان العام وتغليظ العقوبات على المخالفين”.
ويقول “القانون الحالي مطبق ونافذ وتم وضع خطة وطنية لتنفيذ منع التدخين وزيادة أعداد ضباط الارتباط الذين يمتلكون صلاحية الضابطة العدلية، فضلا عن استقبال أي شكوى ومتابعتها”، مؤكدا أنه بحكم القانون فإن المخالفة تكون للمسؤول عن الصالون الذي لا يلتزم بوضع اليافطات التي تحظر التدخين وكذلك للمدخن.
رئيس قسم الوقاية من أضرار التدخين قسم التوعية والإعلام الصحي، د.فاطمة خليفة، تقول “نحن بالمراحل النهائية من التعديلات القانونية الجديدة فيما يخص منع التدخين في الأماكن العامة، ومن بينها؛ المكان الذي يرتاده العامة من أجل قضاء حاجة بغض النظر عن الملكية؛ عامة، خاصة أو ما شابه ذلك، وتدرج صالونات التجميل تحت هذه القائمة”.
وتؤكد أن المديرية تقوم بإرسال نشرات توعوية وتثقيفية بمضار التدخين ومحاذير منع التدخين في الأماكن العامة لأماكن مختلفة منها صالونات التجميل.
وتبين خليفة أن المديرية تباشر بعملها عندما تتلقى أي شكوى، وترجح قلة الشكاوى التي ترد للمديرية إلى عدم توفر (خط مجاني) للإبلاغ عن شكاوى التدخين في الأماكن العامة، إلى جانب عدم دراية المواطن بحقه في المطالبة بمكان خال من التدخين.
وبالنسبة للتدخين في صالونات التجميل، كما تقول، “يفترض أن يكون لنقابة أصحاب صالونات التجميل دور في تطبيق جميع القوانين، فالنقابة تسهم بدراسة وتطبيق التشريع ووضع آلية التنفيذ، فمسؤوليتهم تعميم القوانين من خلال التواصل مع صالونات التجميل”.
النقابة ليس لديها سلطة
وأقر نقيب صالونات التجميل إياد سمارة، أن بعض الصالونات تخصص ركنا خاصا للتدخين، بالمقابل تجد بعض الصالونات تضع لافتة (ممنوع التدخين) لكن أعدادها قليلة.
ويقول سمارة لـ”الغد”، إن النقابة ضد ممارسة التدخين في الأماكن العامة، وللأسف نعلم أنها منتشرة، وخصوصا “صالونات تجميل السيدات فهناك العديد من الروائح المنتشرة والمواد الكيمياوية وتهدد الصحة العامة”، مؤكدا أن هناك مخالفات واختراقات عديدة في صالونات تجميل السيدات.
ويعزو ذلك الى عدم إعطاء دور لنقابة صالونات تجميل السيدات من قبل الدولة، فعملية الانتساب للنقابة (اختيارية) وليست (إجبارية) حتى تتمكن من ممارسة سلطتها على قطاعها بالطرق القانونية اللازمة.

اضافة اعلان

[email protected]