"الفلتان الرقابي" يخلق فوضى في القطاع الطبي

8815066a-untitled-1
8815066a-untitled-1

تحقيق حنان الكسواني

عمان - حالة "فلتان" يعيشها القطاع الطبي، غذاها تشتت الجهات والعمليات الرقابية الرسمية والنقابية على هذا القطاع، إلى جانب ما القته تداعيات جائحة كورونا عليه، وضعف العقوبات الرادعة للمخالفين، في وقت، تلقي كل جهة رقابية المسؤولية عن ضبط المهن الطبية، على غيرها.

اضافة اعلان


وبرغم أن قوانين نقابية وعقوبات ودساتير طبية، شرعت لضبط العمل الطبي، ووضحت العلاقة بين الطبيب والمريض وحقوقه العلاجية، وفق قرارات المحاكم، لكن أطباء منتسبين رسميا للنقابات المهنية، لجأوا لضرب هذه القوانين بعرض الحائط، سعيا وراء الربح المالي السريع، فبات كبح جماح سلوكياتهم المخالفة وغير الاخلاقية، "بحاجة إلى عقوبات مغلظة".


كما أن "تشتت العمل الرقابي على المهن الطبية"، شجع المتاجرة بأحلام مرضى لاستعادة عافيتهم على أيدي أطباء ينتسبون لنقابات مهنية غير بشرية، كالصيادلة وأطباء اسنان وممرضين، ممن يتعدون على اختصاصات زملائهم في الطب البشري على نحو غير قانوني، وغالبيتهم يعملون في مراكز لزراعة الشعر والحقن التجميلية وغيرها.


بينما ذهب أصحاب مراكز علاجية لاستغلال القنوات التلفزيونية ومواقع التواصل الاجتماعي، للترويج لعلاج أمراض مستعصية، كالعلاج بالخلايا الجذعية عبر الحقن والتي باتت تنتشر محليا وخارجيا وهندسة الجسد والعلاج باليد، أبطالها أطباء غير مرخصين أو مؤهلين أو مدربين على علاج أمراض مستعصية، ولم يثبت علميا بعد التوصل إلى علاجات ناجعة لها.


في هذا التحقيق، تستقصي "الغد" جملة قصص وثقتها عن طريق ملفات القضاء، وتلاحق هذا العالم الذي يعمل في عتمته، أفراد لا يأبهون بحياة البشر، ويمارسون أعمالا غير قانونية، في ظل "تراخي" جهات رقابية عن وضع حد لهذه الارتكابات.


أطباء يبيعون الأعشاب والزيوت


يتجه أطباء مسجلون في نقابة الأطباء الأردنيين، لممارسة أعمال بيع زيوت وخلطات عشبية، على انها علاجات لأمراض مزمنة ومستعصية، لكنهم في الحقيقة، يسعون وراء مكاسب مادية، غير آبهين بما ستؤول اليه صحة ونفسية ضحاياهم من المرضى، وفق رئيس لجنه الشكاوى وضبط المهنة الدكتور محمد البربراوي.


وقال البربراوي لـ"الغد"، إنه لـ"وقف مثل هذه المخالفات والتجاوزات الخطرة على حياة المرضى، فإن تفعيل القانون بعيدا عن المحسوبية والمزاجية، ستمكن من ضبط المهنة".


في هذا النطاق، تشير المادة (5) من الدستور الطبي الأردني، في بند واجبات الطبيب وآداب المهنة، الى أنه "يحظر على الطبيب الإعلان عن نفسه، أو القيام بدعاية مباشرة أو بالواسطة بشتى طرق النشر أو الدعاية، أو بكتابته على اللوحات أو البطاقات أو الوصفات الطبية، القابا أو اختصاصات لم ينلها بشكل قانوني".


كما أقرت المادة (10) أن "على الطبيب ألا يلجأ الى أساليب، يمكنها أن تنسف مهنة الطب، وخاصة منها ما يدخل في زمرة الغش والتدجيل والإدعاء باكتشاف طريقة للتشخيص أو العلاج غير مثبتة علميا".


وأقر البربراوي في حديث خاص لـ"الغد"، بأن كل هذه الممارسات غير القانونية، تشير فعليا الى "فلتان" ينتشر في القطاع الطبي، والى فوضى تنظيمية كبيرة، وأن العقوبات القانونية "غير رادعة" لوقف هذه المخالفات التي "شوهت" الى حد ما سمعة الطب في المملكة، وأثرت على السياحة العلاجية التي تعتبر "نفط الأردن".


وحمل البربراوي وخبراء في القطاع الطبي والنقابي "وزارة الصحة، المسؤولية في اتساع دائرة فوضى العمليات الرقابية، كونها الجهة الرقابية والسلطة التنفيذية لضبط المخالفين وتحويلهم إلى القضاء".


ورفض مدير مديرية التراخيص والمهن والمؤسسات الصحية في الوزارة الدكتور أمين المعايطة، ما تتناقله أوساط طبية، من "ان سبب الفوضى في الرقابة على القطاع الطبي، هي الوزارة، كون لديها الضابطة العدلية".


وأوضح المعايطة، في تصريح لـ"الغد"، أن "الوزارة لن تتمكن وحدها من ضبط حالة الفلتان في التعدي على التخصصات الطبية الواسعة جدا، ما يتطلب من النقابات المهنية المسؤولة عن ضبط المهنة، أن تكون الذراع الأيمن، ورفع من مستوى التنسيق بينهما".


ولم يقتصر حديث المعايطة عند هذا الحد، بل اعتبر أن الضابط الأخلاقي لدى بعض المخالفين من الأطباء، هو اسمى شيء لهذه المهنة الإنسانية، بالإضافة لإصدار عقوبات رادعة في حال تكرار المخالفة.


إيقاف طبيب عن ممارسة الطب بعد وفاة مريضه


خبراء في القطاع الطبي، وصفوا مسألة "تعدي أطباء على تخصصات طبية أخرى وممارسة اختصاص لا علاقة لهم به، هو "الأخطر على حياة المريض"، وقد يتسبب هذا بمضاعفات للمريض تصل إلى حد الوفاة.


ويرى المعايطة، أن نقابة الأطباء، يجب أن تراجع المعايير الضابطة للمهنة باستمرار، وتحدد الوصف الوظيفي لكل تخصص على نحو دقيق، ليصار إلى محاسبة المخالفين، بخاصة تخصص الطب العام الذي ليس لديه وصف حتى الآن، ما يخلق ثغرة يدخل منها بعض الأطباء إلى تخصصات طبية أخرى.


وكانت أحدث قضية حول "التعدي غير القانوني بين الاختصاصات الطبية"، جرت العام الماضي، عندما صادقت لجنة ممارسة مهام وصلاحيات مجلس نقابة الأطباء على قرار مجلس التأديب، القاضي بإيقاف طبيب عن ممارسة مهنة الطب، بعد وفاة مريضة في عملية جراحية، إذ استند مجلس التأديب في حكمة على المادة (35) من قانون نقابة الأطباء.


وفي هذا السياق، صرحت النقابة، بأن الطبيب بتصرفه ذاك، قد خالف الدستور الطبي الأردني في مواده: (2) و(5) و(9) ومن قانون النقابة المواد (10) و(12) و(45) ومن قانون المسؤولية الطبية المادة (5)، والتي توجب على مقدم الخدمة تأدية عمله وفقا لما تقتضيه أخلافيات المهنة ودقتها وأمانتها، والأصول العلمية المتعارف عليها، بما يحقق العناية للمريض في "أن الطبيب قد مارس اختصاصا ليس من اختصاصه".


وتعد هذه القضية التي أعلنت النقابة عن تفاصيلها، واحدة من بين 17 قضية منظورة أمام القضاء العام الماضي، في حين ان المجلس ما يزال ينظر في 40 شكوى، وفق البربراوي الذي أشار إلى أن ما وصل من شكاوى الى النقابة العامين الماضيين بلغ 169، منها 114 العام الماضي.


طبيب يتقاضي 10 آلاف دينار لعلاج شلل رباعي


تعرضت مواطنة سورية مقيمة في الأردن لعملية احتيال مالي من طبيب زعم بأنه قادر على علاج أمراض غير قابلة للشفاء، عن طريق مهارته في "هندسة الجسد التأهيلية لعلوم اليد".


هذا الطبيب الذي يملك مركزا خاصا مرخصا للرعاية والتأهيل الشامل، يصطاد زبائنه، عادة، عن طريق إعلاناته التي تنتشر على صفحات وسائل التواصل.


وبرغم شهرته الشعبية الواسعة، بأنه يمتلك قدرات خارقة لعلاج أمراض مستعصية، كالتصلب اللويحي والشلل الرباعي والنصفي، إلا أن شكاوى ضحاياه من الأردن ودول عربية، حولته الى القضاء، بعد توجيه تهمتي "جرم الاحتيال"، وفقا لأحكام المادة (417) من قانون العقوبات، و"ممارسة مهنة طبية بدون شهادة طبية"، وفقا لأحكام المادة (5) من قانون الصحة العامة، وبدلالة المادتين (9) و(62) من قانون الصحة العامة، والمادة (65) من قانون النقابة.


وفي التفاصيل، تقدمت والدة مريض بشكوى رسمية للقضاء، بعد يأسها من شفاء ولدها الذي عالجه هذا الطبيب لمدة عامين وفق طريقة "هندسة الجسد والعلاج باليد"، بحسب ملف القضية التي حصلت "الغد" على نسخة منه.


وقد خضع ابن السيدة لجلسات علاجية على يد الطبيب، بعد تعهده أمام والدته وعامليه في المركز، بقدرته على "شفاء ابنها بعد ستة أشهر من العلاج المتواصل، وسيلعب مع اقرانه قريبا".


كانت الأم تعتصر ألما وهي تستدين لتغطي تكاليف علاج ابنها لتشاهده يسير على قدميه، لكنها فوجئت مع مرور الوقت، بان "صحة ابنها لم تتحسن". وعندما رغبت بالتوقف عن علاج ابنها، بعدما دفعت نحو 3 آلاف دينار، تبرع بها مواطن عربي مقيم في الخارج للمركز، طالبها بـ7 آلاف دينار لاستكمال علاج ابنها.


وبمجرد ان تقاضى الطبيب 10 آلاف دينار، قال لها إن "حالة ابنك حيرتني. انا بصفن فيه. ليش ما عم يتحسن. خذيه على شيخ يقرأ له"، وفق أقوال المشتكية والدة المريض أمام القضاء.


هذا الطبيب الذي تعرض للمساءلة القانونية في "قضايا احتيال وانتحال لشخصية طبيب، كان يقدم تقارير حول حالة ابن السيدة، ويختمها باختام اطباء آخرين". عليه، ارتأت المحكمة إدانته بجرم الاحتيال وحبسه 3 سنوات والرسوم والغرامة 500 دينار.


ولم تكن قضية هذه السيدة، الوحيدة للطبيب التي وقعت تحت يد القضاء، بل تقدم والد طفلة بشكوى بحقه، بعد تعهده بعلاج ابنته من أمراض عصبية، مؤكدا أنها ستتحسن خلال سنة، وتتماثل للشفاء خلال سنتين، وفق ما قاله لوالدها، لكن حالة الطفلة الصحية "ازدادت سوءا، كما تعرض أعضاء في جسدها لحروق وكدمات، أدخلت على إثرها إلى قسم العناية الحثيثة".


المتحدثة باسم النقابة الدكتورة ميسم عكروش، حمّلت الوزارة مسؤولية ضعف العمليات الرقابية على القطاع الطبي، كون الوزارة تتمتع بصلاحيات تخولها تحرير المخالفات والاغلاقات.


في المقابل؛ فان النقابات الطبية الشقيقة (الطب والصيادلة والاسنان)، تكثف جهودها لتنظيم المهنة، لحماية المرضى وتقديم الخدمه الطبية الأمثل، وتنتشر التجاوزات التي رصدتها النقابة في مهن صحية مختلفة، وفق عكروش، بمراكز التغذية والحجامة والتجميل وكلها "تجارية"، تنشط بالترويج لـ"بضاعتها" في وسائل التواصل، مبينة أن "الاجراء الطبي ليس مجرد حركة فنية، بل طبية، وقد يحصل للمريض مضاعفات تودي بحياته".


وأعربت عن أسفها، بان المخالفين من الأطباء "غير المحترفين"، هدفهم الربح المالي السريع، موضحة بانه يحق لمجلس النقابة استدعاء أي طبيب والاستفسار منه حول أي تجاوزات، تتناهى بأنه ارتكبها، وتمتد صلاحيات النقابة، إلى حل الخلاف مع الطبيب أو إحالته للجان التأديبية.


ودعا البربراوي وعكروش، الأطباء المتمرسين للتقيد بحدود الاختصاص والوصف الوظيفي لكل اختصاص، وعدم التجاوز على الاختصاصات الأخرى، وقال "إن المجلس لن يتهاون في موضوع التجاوز على الاختصاصات، ولا بد ان يحصل الطبيب على تصريح مزاولة مهنة حسب الأصول، بعد التسجيل في النقابة".


وأوضح لـ"الغد"، أن الشهادة الصادرة عن المجلس الطبي، تنص على أن كل طبيب يجب أن يفي بمعايير معينة، ليتأهل لممارسة تخصصه"، ولم يتردد في مخاطبة النقابات الطبية الشقيقة، بمخاطبة اعضائهم للالتزام باختصاصاتهم وعدم التعدي على الاختصاصات الأخرى لضبط المهنة.


ووثق تقرير ديوان المحاسبة لعام 2020، حالة واحدة فقط، تفيد تفاصيلها بان طبيبا في الوزارة، يمارس نشاطه التجاري في محافظة جنوبية، لكنه طلب تشكيل لجنة تحقيق رسمية لتقديم تقرير واتخاذ إجراء قانوني بحسب الأصول.


طبيب باطني يبيع خلطات عشبية وزيوت


في قضية أخرى تدل على هذه الفوضى في التعاطي مع مهن طبية بشرية، وتحت لهاث تحقيق الربح المالي، يعمل طبيب باطنية أردني مقيم في الخارج منذ سنوات ببيع منتجاته العشبية والعلاجية في دول عربية، بعد الترويج لها على صفحته في موقع التواصل "فيسبوك"، برغم شكاوى قضائية وجهت ضده، تكشف بان صحتهم تدهورت بعد استخدامهم لعلاجاته التي يوصي باستخدامها في أمراض مزمنة.


ولم يتخصص فقط بعرض منتجاته للبيع، بل ويشرح لجمهوره عبر صفحته عن قدراته الطبية "الخارقة"، لعلاج أمراض الحساسية والانف والجيوب والجنسية والنفسية، والتوحد والجهاز الهضمي، بحسب رصد "الغد" لصفحته. وللحقيقة فإن كل تخصص تعرض إلى انه يتقنه، يحتاج إلى تدريب وتأهيل ورخصة لمزاولة المهنة، لكنه لا يحمل تلك المؤهلات لكل ما أعلن عنه منها.


وقد توجهت ضحية من ضحاياه هي وأقارب لها إلى مركزه، فوجهوا له شتائم ووصفوه بـ" المخادع"، وذلك بعد ان تساقط شعرها الذي استخدمت لعلاجه أحد منتجاته، لكنه لم يأبه لما حدث لها، ورفع قضية قدح وذم وتحقير واقتحام ملكية خاصة، وشتم "الطب النبوي"، وفق ملف القضية الموثق الذي حصلت "الغد "على نسخة منه.


وحول تكييف هذه القضية قانونيا، أوضح عضو لجنة ضبط المهنة السابق في النقابة وفضل عدم ذكر اسمه، أن لجنة رسمية تحركت قبل سنوات مضت الى مركز الطبيب، على خلفية شكوى رسمية وردت للنقابة، مفادها "ان امرأه تساقط شعرها بعد استخدامها لأحد منتجاته غير المرخصة".


وبرغم ذلك، قررت النقابة في السابق "عدم محاسبته بناء على قانون النقابة المختص بمراقبة سلوك الاطباء المهني وعياداتهم العلاجية، كونه لم يمارس فعليا مهنة الطب البشري في مقره بعمان"، وفق مصدر رسمي سابق في النقابة.


وقال المصدر ذاته لـ"الغد"، إن "الطبيب المخالف، اختصاصي باطنية، جرى تحويله الى مجلس تأديبي سابقا، ووقع تعهدا على نفسة بعدم ممارسة المهنة"، وكان "عليه أن يختار، إما أن يكون طبيبا او عطارا".


وعند متابعة اللجنة الرقابية لإعلاناته، وجدت أنه يقيم خارج الأردن، ولديه فريق يدون الملاحظات الطبية، والتواصل مع الناس وتعبئة عبوات منتجاته وتغليفها، ووضع صورته الشخصية عليها، كزيت اكليل الغار والزنجبيل والزعفران لعلاج السرطان، وتخفيف أعراض الاكتئاب.


العلاج بالحجامة انتحال صفة طبيب


لم تقتصر الفوضى الرقابية والإدارية على التعدي على التخصصات الطبية، بل امتدت لانتحال صفة طبيب من بعضهم، فقد أكدت النقابة ان "انتحال صفة الطبيب ليست ظاهرة في مجتمعنا، بل هي حالات محدودة"، غير أن المشكلة تكمن بان اكتشاف الجهات الرقابية للمنتحلين، تجري بالصدفة او بتقديم شكوى رسمية للأجهزة من متضررين، أصابتهم مضاعفات جانبية أو أخطاء طبية، ولحين اكتشافهم، يكون المشتكى عليهم قد قطعوا شوطا طويلا في علاج عشرات المرضى، وفق ما وثقته "الغد".


لم يتردد شاب عشريني بتقديم شكوى رسمية للجهات الأمنية بحق معالج بالحجامة، يقيم في تسوية بمنزله، على انها عيادة لعلاج المرضى، لكنه كان يستخدمها لغايات أخرى "منافية للآداب، وصلت إلى حد هتك العرض، إو إلى القيام بأفعال تطال أماكن العفة والحياء".


الشاب المتزوج، ولدية 3 أطفال، ويقطن في عمان الشرقية، ذهب الى هذا المعالج ليخلصه من مرض الدوالي في ساقيه، والم في يديه، بمشورة من شقيقه ووالده، غير ان هذ الشكوى قادت الأجهزة الرسمية بالصدفية لمعاقبة المعالج بـ"جرم ممارسة مهنة طبية دون ترخيص في حدود المادة (62/ب/2) من قانون الصحة العامة، وكان الحكم عليه بالمادة ذاتها بالحبس سنة واحدة، والرسوم محسوبة له مدة التوقيف".


كما امتد انتحال صفة طبيب بشري، الى صفحات التواصل، حين أنشأ عشريني صفحة عبر "فيسبوك"، تحمل اسم الدكتورة (س. ب: استشارية أمراض نساء وتوليد وعقم)، وثبت صورة لسيدة باعتبارها طبيبة تساعد الفتيات القاصرات، وتقدم لهن نصائح طبية.


وكان هدف الشاب، بحسب أقواله، لدى المحكمة "تعليم القاصرات كيفية البلوغ للفتيات وممارسة العادة السرية، وتصوير انفسهن عاريات عبر كاميراتهن، لكنه كشف عن غايته الحقيقية من وراء انشاء هذا الحساب الوهمي هو "استدراج ضحاياه، بالاطلاع على صور الفتيات وهن عاريات".


يجهل هذا الشاب، انه ارتكب "جناية انتحال الصفة وفقا لأحكام المادة (4) من قانون الجرائم الإلكترونية بالحبس لـ3 أشهر والرسوم والغرامة 200 دينار والرسوم". كما اسندت اليه عقوبات أخرى، بالاستناد على قانوني العقوبات والجرائم الإلكترونية، وتتمثل "بجناية الاستغلال الجنسي لمن لم يكمل الـ18 من عمره في الأعمال الإباحية"، وارتأت المحكمة ان تنفيذ العقوبة الأشد بحقة "وضعه بالأشغال لـ3 سنوات والرسوم والغرامة 5000 دينار والرسوم محسوبه له مدة التوقيف".


كما نصت المادة (15) من قانون الجرائم الإلكترونية، على أن "كل من ارتكب أي جريمة معاقب عليها بموجب أي تشريع نافذ باستخدام الشبكة المعلوماتية، وأي نظام معلومات أو موقع إلكتروني.. أو حرض على ارتكابها، يعاقب بالعقوبة المنصوص عليها في ذلك التشريع".


راسب في "التوجيهي" يمارس الطب


"الفلتان الإداري والرقابي"، امتد الى مستشفيات حكومية، فقد اقدم شاب عشريني راسب في امتحان الثانوية العامة (توجيهي)، يعمل حلاقا للرجال، على العمل "طبيبا دون دراسة"، ووجد ضالته في مستشفى البشير الحكومي للعمل في قسم العظام، ليقضي عاما كاملا بزي الأطباء، مدعيا انه درس الطب في جامعة أوكرانية، ويقضي فترة التدريب في "البشير".


الصدفة وحدها، كانت كفيلة باكتشافه، عندما جاء للمستشفى اختصاصي جراحة عظام ومفاصل، مع أطباء مقيمين في قسم العظام، فبدأ بطرح أسئلة على الفريق المتدرب، ما كشف جهل الشاب بابجديات المهنة، ليشك بأمره، ومن ثم ملاحقته أمنيا.


تمثل إهمال وتقصير إدارة مستشفى البشير، بعدم مراقبة وتدقيق الأوراق الثبوتية لهذا المنتحل، الذي عرض حياة مرضى خلال سنة للخطر. عليه، قضت المحكمة بتوجيه تهمة "انتحال شخصية موظف في الخدمة المدنية"، بحسب ملف القضية.


وقد استمعت المحكمة لشهادة 15 طبيبا وموظفا، ابطلوا روايات "إدارة المستشفى الحكومي"، وفق اختصاصي جراحة عظام ومفاصل في المستشفى، اتهم بالسماح لـ"الحلاق بمزاولة مهنة الطب في قسم العظام"، وقال لـ"الغد"، ليس من صلاحية أي طبيب ان يفتش على الأوراق الثبوتية لزملائه، لان هذه مهمة إدارية.


قانون العقوبات، استند على المادة (202) بـ"الحبس من شهر إلى سنة، كل من انتحل شخصية موظف في الخدمة العامة (..) كان فيها ذلك الموظف، مكلفاً بالقيام بفعل أو بالحضور إلى مكان بحكم وظيفته".


لم تكن هذه الحادثة الأولى في "البشير" التي تدل على "الفلتان الرقابي"، فقد كشف مدير المستشفى الدكتور علي العبدللات في نهاية العام الماضي، عن تفاصيل ضبط مريض انتحل صفة طبيب، جرى تحويله للادعاء العام.


وقبل أن تتلاقف وسائل الإعلام قضيته، سارع العبدللات لإصدار بيان رسمي أكد "أن المريض كان يراجع عيادات المستشفى في الفترة الماضية، وانتحل صفة طبيب يعمل في المستشفى، وارتدى الزي الخاص بالأطباء، ووضع السماعات على كتفيه، ليكشف عن المرضى ويقيم حالتهم الصحية".


ولم يكتف بذلك، بل قال لمرافقي مريض إن مريضهم بوضع صحي سيئ، وقد يفارق الحياة بعد يومين، فيما قال لآخرين، إن حالة المريض الصحية لا تستدعي بقاءه في المستشفى، وأن عليه الذهاب للمنزل، وفق العبدللات.


وحمل نقيب الأطباء السابق الدكتور احمد العرموطي هذه الفوضى، للجهات الرقابية ممتمثلة في الوزارة قائلا لـ"الغد"، إن "ضعف العمليات الرقابية والإدارية في المستشفيات والعيادات الطبية الخاصة والحكومية، غذت صفة انتحال مهنة الطبيب والتداخلات بين التخصصات الطبية".


واقترح منح النقابات، صلاحيات رقابية أوسع الى جانب الوزارة، رافضا تعليق ضغف الرقابة ومحاسبة المخالفين على شماعة نقص في اعداد الكوادر الرقابية في الوزارة، فهي لا تقوم بواجباتها الرقابية على اكمل وجه.


واتفق برأيه رئيس لجنة الصحة في المجلس الوطني لحقوق الإنسان الدكتور ابراهيم البدور مع العرموطي، من حيث ان العقوبات القانونية الرادعة، ما تزال غير كافية لوقف المخالفات المتعلقة بالتعدي القانوني وغير القانوني على الاختصاصات، داعيا لتكثيف العمليات الرقابية من الوزارة والنقابات.


وبرغم أن عدد الكوادر الرقابية في الوزارة، غير كافية لتغطية القطاع الطبي بكاملة بحسب المعايطة، غير انها توعز إلى المحافظ بإغلاق المنشأه المخالفة، وتحويل المخالف الى النائب العام لتقدير العقوبة بحقه، ومع ذلك يقر المعايطة بان العقوبات القانونية بحق المخالفين ما تزال "غير رادعة" معولا على وعي المواطن، بان يستفسر عن اختصاص الطبيب قبل أن يبدأ العلاج.

 

إقرأ المزيد :