قانون ضد الكراهية والتمييز


استدعى الأمر تدخل مفتي المملكة لوضع حد للنقاش الحاد الذي شهدته وسائل التواصل الاجتماعي إثر حادثة وفاة المرحوم شادي أبو جابر. وقد جاء هذا النقاش ومحتواه صادماً للأردنيين من أبناء جيلي الذين خبروا العيش المشترك بأبهى تجلياته بين أبناء المجتمع بخلفياتهم الدينية والاجتماعية كافة. ولا أريد إغراق القراء بالأمثلة من التجارب الشخصية، لأن الغالبية لديها الأمثلة والتجارب والقصص واللحظات الدالة على ذلك، والتي تروى في المجالس، عندما تتعرض لحادثة مشابهة، أو عندما يدور النقاش حول هذه القضايا.اضافة اعلان
نعم، خطاب الكراهية الذي يملأ فضائيات وسائل التواصل الاجتماعي صادم، ولكنه ليس مفاجئاً. وبات علينا الاعتراف بأن المجتمع الأردني الذي كان وما يزال في جوهره يشكل حالة استثنائية للعيش المشترك والتآخي، قد تغير كثيراً. ومن دون ذلك لن نستطيع أن نحافظ على روح منجزاتنا وموروثنا من التماسك الاجتماعي.
التطرف والطائفية والمذهبية التي تجتاح العالم العربي وتهيمن على خطابه، بدأت تظهر آثارها على البيئة الفكرية والسياسية والدينية في المجتمع الأردني. قد نكون نجحنا في درء المخاطر الأمنية والسياسية للتطرف الجارف في المنطقة، لكننا لم نعط الاهتمام الكافي للتطرف الفكري والأيديولوجي، بالرغم من الدراسات التي كانت تنبه لتصاعد التطرف في المجتمع الأردني.
خطورة الفكر المتطرف والإقصائي أنه ليس حالة شاذة أو معزولة، لا بل إن المتطرفين موجودون في كل مؤسسات ومفاصل المجتمع؛ في المدارس والجامعات والمؤسسات العامة والقطاع الخاص. هذه المؤسسات المسؤولة عن إنتاج الوعي والمعرفة وحمل رسالة الدولة الأردنية والعمل ضمن دستورها. بدلاً من ذلك، تغلغلت فئة ليست بسيطة في كل هذه المؤسسات، تمارس قناعاتها الشخصية الإقصائية والمتطرفة من خلالها.
الدستور الأردني كفل حرية الرأي، ولكل شخص قناعاته. لكن عندما يبدأ يمارس قناعاته الشخصية أو تطبيقها في حياته وتعامله مع الآخرين فتتحول إلى اعتداء على القانون وعلى المجتمع، تخرج عن إطار الحريات الشخصية. والتعصب والتطرف الشخصي أو الفردي موجود في كل المجتمعات، حتى المتقدمة منها. لكن في هذه الدول إذا تم تحويل ذلك إلى سلوك وممارسة، فإنه يصبح تمييزاً، وهنا تنتهي حرية الرأي والمعتقد.
إن تنامي الفكر المتطرف في المجتمع الأردني بات يهدد المكتسبات والإنجازات المتراكمة للدولة والمجتمع. لا تستطيع الدولة منع الناس من أن يفكروا بطريقة أو بأخرى، لأن حرية الرأي مكفولة بالدستور. لكن عندما يتعدى البعض على قيم المجتمع وأسس ومبادئ الدستور، فإن ذلك يصبح شأناً عاماً لا بد من تدخل الدولة بالوسائل القانونية والدستورية كافة لوضع حد له، وحماية الدولة والمجتمع.
الفكر المتطرف في الأردن أكبر مما يعتقد كثيرون. ولم نعد نتعامل مع فئة محدودة ومعزولة، بل مع فئة موجودة في كل مكان. ومجابهة الفكر المتطرف أصبحت حاجة ملحة وضرورة وطنية على المديين القصير والطويل.
على المدى البعيد، لا بد من إعادة النظر بفلسفة وأساليب ومحتوى المؤسسات المنتجة للوعي والمعرفة، خاصة المدارس والجامعات والمؤسسات الإعلامية. والمرجعية في عملية الإصلاح موجودة في الدستور ومبادئ الدولة القائمة على المساواة والعدالة والمواطنة والديمقراطية. وهناك جهود تبذل على مستويات عدة، لكنها بحاجة لوضوح أكثر مما هي عليه الآن.
لكن حلول المدى البعيد تؤدي لنتائج لاحقة وليست سريعة. لذلك، لا بد من معالجات قصيرة الأمد لمنع الانزلاق إلى ما هو أسوأ. والحل الوحيد هو ضرورة سن قانون أو تشريع ضد التمييز والكراهية بأشكالهما كافة؛ الدينية والجهوية والجغرافية.
الدولة ومؤسساتها للجميع، ويجب أن لا يتم السماح باستخدامها لأغراض تختلف مع ذلك. والدول المتقدمة كلها لديها قوانين تجرم التمييز وخطابات الكراهية، وقد آن الأوان لأن يخطو الأردن بهذا الاتجاه.