قصور البحث العلمي في المصرفية الإسلامية مسؤولية مشتركة

أ.د. غسان الطالب* الارتقاء بالصناعة المصرفية الإسلامية الى مستوى متقدم من التطور يمثل لها طموحا مشروعا والسعي لامتلاك مؤسسات بحثية تعنى بالتمويل بهويتها الإسلامية نظرا للبيئة التي نشأت بها هذه الصناعة، وهي المنطقة العربية المتصفة بضعف البحث العلمي بشكل عام والمؤسسات المعنية به، وبعد أن امتدت هذه التجربة فيما بعد الى مجتمعات إسلامية وتلتها بعض الدول الأوروبية والغربية، توجب علينا أن نتوقف عند أهمية البحث العلمي والارتقاء به لإحداث نقلة نوعية في العمل المصرفي الإسلامي، وبالرجوع للتقرير الإحصائي السنوي الصادر عن المنظمة العالمية للملكية الفكرية، نجد أن الدول العربية، على سبيل المثال، تنفق ما معدله 0.2 % من دخلها القومي على البحث العلمي، وأن نصيب الفرد في البلاد العربية من الإنفاق على البحث العلمي يبلغ 14.7 دولار سنويا، مقارنة مع نصيب الفرد في دول القارة الافريقية والبالغ 9.4 دولار، كما نجد في الولايات المتحدة الأميركية حوالي 4.000 باحث لكل مليون إنسان، و3.598 باحث لكل مليون شخص في الدول المتقدمة الأخرى، يقابل ذلك 499 باحثا لكل مليون شخص في الدول النامية التي من ضمنها الدول العربية والإسلامية، إذا هذه هي البيئة التي نشأت بها المصارف الإسلامية، فلا يمكن لنا تحميل القصور في البحث العلمي خاصة في قطاع التمويل الإسلامي للمصارف الإسلامية وحدها، فالمسؤولية مشتركة يتحملها الجميع، مؤسسات وحكومات، وقد يكون لغياب أو قصور القوانين والتشريعات دور أساسي في تدني مستوى البحث العلمي بوجه عام، على عكس ما نراه في الدول المتقدمة من اهتمام ووجود قوانين وتشريعات تلزم المؤسسات الإنتاجية كافة بتطبيقها في هذا المجال وتخضع للمراقبة والمساءلة ولا مجال للتحايل على المخصصات المعدة للبحث العلمي كما هو في العديد من البلدان النامية. واليوم نتحدث عن نمو وانتشار واسع للصناعة المصرفية الإسلامية على نطاق العالم بحيث لم تعد مقتصرة على المجتمعات والدول الإسلامية بل وصلت الى دول أوروبية وغربية، فنجد على سبيل المثال لندن العاصمة البريطانية تنافس أهم عاصمتين تُعدان من أهم مراكز الصناعة المصرفية الإسلامية هما دبي وكوالالمبور في السعي جاهدة لتكون المركز العالمي الأول لهذه الصناعة، وتعمل كذلك على استقطاب الأسواق الأوروبية لتعزز مكانتها العالمية في هذا المجال، ويرى العديد من الاقتصاديين والمحللين والمهتمين بهذا القطاع أنه ما يزال أمامه مشوار طويل وتحديات جمة حتى يحقق مكاسب أفضل في سوق الاستثمار المناط بالسوق المصرفي العالمي؛ حيث تحتل الأصول الاستثمارية الإسلامية والملتزمة بأحكام الشريعة الإسلامية ما نسبته 1.5 % فقط من حجم سوق الاستثمارات المالية في العالم، ويقدر لها أن تصل الى ما يقارب 3 تريليونات دولار حتى نهاية العام 2021، مقارنة بحجم الأصول الاستثمارية المالية في مجمل أسواق العالم والمقدرة بـ150 تريليون دولار، حصة الولايات المتحدة الأميركية منها بحدود 6.5 تريليون دولار. نخلص الى القول إن قطاع المصارف والتمويل الإسلامي بحاجة الى وضع استراتيجية هدفها الابتكار والتجديد والانتقال بالبحث العلمي وأدواته الى مستوى يواكب التطور العلمي والتكنولوجي، تُمهد لتأسيس قاعدة معرفية وبحثية للمصرفية الإسلامية أينما وجدت، مبنية على الالتزام بأخلاقيات وأحكام الشريعة الإسلامية، وإعطائه أولوية استثنائية وسبل الدعم المادي للوصول إلى الأهداف المرجوة للارتقاء به إلى مستوى الطموح، وبالتالي سوف نصل الى حسن إدارة العمليات الاستثمارية بالشكل الذي يقلل من ارتفاع درجة المخاطرة والسعي لكسب حصة أكبر من السوق المصرفي العالمي. *باحث ومتخصص في التمويل الإسلامياضافة اعلان