مواجهة كورونا: الالتزام المجتمعي أهم من التدابير الحكومية

figuur-i
figuur-i

تغريد السعايدة

عمان- لم يعد اتباع إجراءات الوقاية والحماية من عدوى انتشار فيروس كورونا، أمراً اختيارياً بين أفراد المجتمع؛ إذ أمسى "واجباً اجتماعياً" لا يقبل التهاون، في ظل زيادة مطردة في الأعداد التي يتم رصدها يومياً من خلال لجنة التقصي الوبائي، والتي تحتم أن يكون المواطن "مسؤولا" وأكثر حرصاً في المحافظة على صحته وصحة المحيطين به وأبناء المجتمع.اضافة اعلان
وزير الإعلام الناطق باسم الحكومة أمجد العضايلة، نوه خلال المؤتمر الصحفي الأخير، إلى أن أهمية ارتداء الكمامة ومراعاة إجراءات الوقاية لم تعد خياراً أمام المواطنين بل هو أمر واجب يجب على الجميع الالتزام به حمايةً لأنفسهم وللمجتمع، وحتى لا يضطر المخالفون إلى تلقي العقوبات في حالة مخالفة تلك الإجراءات، كما في إقامة المناسبات والتجمعات، التي من شأنها أن تؤدي إلى انتشار العدوى بشكل كبير.
هذا الحديث الذي أشار له العضايلة، جاء بعد أن تم إعلان العدد الكبير لمصابي كورونا، الذي تجاوز 1700 مصاب في يوم واحد، لتكون الدعوة إلى التحول من المسؤولية الشخصية إلى المسؤولية الاجتماعية في مواجهة خطر وباء كورونا، الذي يحصد يومياً أرواحاً من الأهل، لتكون العقوبات التي يتم فرضها على المخالفين الحل الوحيد للحد من حالة عدم المسؤولية.
"هل أصبحنا بحاجة إلى عقوبة وغرامة حتى نرتدي الكمامة ونحمي أنفسنا من خطر عدوى وباء كورونا ونضطر إلى دفع الغرامات المالية؟"، بهذا التساؤل عبرت ريناد طارق عن رأيها بردها على سؤال تم طرحه عبر مواقع التواصل الاجتماعي حول أهمية ارتداء الكمامة، في ظل ارتفاع كبير جداً في عدد مصابي "كوفيد 19" خلال هذه الفترة.
وتتساءل ريناد، وهي موظفة "بعد كل هذه الحالات التي نراها تحوم من حولنا، لماذا ننتظر قراراً بعقوبة تلزمنا أن نكون حريصين على صحتنا؟"، مضيفة "الأمر أصبح واجبا ومسؤولية علينا جميعاً لحماية أنفسنا وأبنائنا وأهالينا كبار السن.. ولو التزم كل شخص في المجتمع بتلك القواعد لما وصلنا إلى هذا الحال من الأعداد الكبيرة والمرعبة للمصابين".
الاختصاصي الاجتماعي الأسري مفيد سرحان، يقول إنه ورغم التزايد الكبير لأعداد حالات الإصابة بفيروس كورونا المعلن عنها، إلا أن البعض للأسف ما يزال يصر على عدم الالتزام بالإجراءات الوقائية، إما استهتاراً أو عدم القناعة بجدوى هذه الإجراءات أو اعتقاداً منه بعدم وجود وباء أصلاً، وأن الأمر مفتعل لأغراض متعددة، وكل ذلك بالرغم من مرور أكثر من ستة أشهر على بدء انتشار الوباء في الأردن وتسجيل أكثر من عشرة آلاف حالة إصابة وأعداد من الوفيات.
ويضيف سرحان أن انتشار الوباء يتطلب من الجميع تحمل المسؤولية والالتزام حتى لا يكون سبباً في نقل الوباء، والالتزام في مثل هذه الظروف ليس حرية شخصية للفرد بمعنى أن له الحق بأن يلتزم أو لا يلتزم باعتبار أنه هو صاحب العلاقة والنتيجة تعود عليه، فالحرية الشخصية تنتهي عندما تؤثر على حقوق الآخرين مصالحهم وليس فقط حريتهم.
الشخص السليم المعافى مطلوب منه أن يحافظ على نفسه، وأن يحرص على عدم انتقال العدوى إليه، وذلك بالالتزام بالإجراءات الوقائية، وأن يدرك أن ذلك مسؤولية شرعية واجتماعية، بحسب سرحان.
ويتابع، فهو بذلك لا يحافظ على نفسه فقط، بل يسهم في حماية المجتمع أيضاً بعدم زيادة عدد الإصابات، وقد يكون الشخص مصاباً، ولا يعلم أنه مصاب لعدم ظهور أعراض الإصابة عليه، وهنا مكمن الخطر؛ حيث يتوجب على الجميع الحرص على الالتزام بالإجراءات الوقائية، ومنها لبس الكمامة وعدم الإكثار من التنقل والابتعاد عن أماكن التجمعات حتى لا يكون سبباً في نقل الوباء لغيره، وهو لا يعلم، وحتى داخل الأسرة يجب اتخاذ أقصى درجات الحيطة، وملاحظة أي أعراض تظهر على أي من أفراد الأسرة.
ومن الأمثلة التي يطرحها سرحان، أن البعض مثلاً لا يلتزم بارتداء الكمامة وهو داخل المول أو المسجد، والبعض لا يترك مسافة أمان بينه وبين الآخرين، فقد تذهب إلى مكان التسوق وأنت ملتزم بارتداء الكمامة والتباعد الجسدي عن الآخرين، وتتفاجأ بأن أحد الأشخاص اقترب منك دون مسافة أمان معتبراً أن هذا حقه، إما لعدم قناعته بالإجراءات أو استهتاراً وعدم مبالاة، وفي مثل هذا السلوك ليس فقد اعتداء على حقوق الآخرين بل إفساد التزام مئات الأشخاص الحريصين على التقيد بالإجراءات الوقائية.
ويزيد سرحان، قد يأتي شخص متأخر إلى المسجد في صلاة الجمعة دون ارتداء كمامة أو إحضار سجادة صلاة خاصة به، ويخترق صفوف الملتزمين بالتباعد الجسدي ليصلي بين شخصين ملتزمين ربما حضرا للمسجد قبله بساعة، وهو بذلك يخالف التعليمات، وقد يسبب الضرر للآخرين، والأصل أنه من أكثر الناس التزاماً، بل أن يكون المصلي قدوة حسنة للآخرين.
فيما يرى بشار موسى أنه أصبح يرتدي الكمامة بشكل يومي خلال تنقله، معللاً ذلك بأنه أصبح يخشى العدوى من الآخرين، كونه يتنقل بكثرة بين العمل والأسواق والمحلات التجارية، وهذا سبب وجيه لإمكانية انتقال العدوى له من الآخرين، أو نقلها لهم في حال كان حاملاً للمرض.
بشار يؤكد كذلك أن الخوف من العقوبة أمر وارد لدى الجميع، وبخاصة في الأماكن العامة والمولات التي تتطلب ارتداء الكمامة، ولكنه في الوقت ذاته يتمنى أن يلتزم الجميع باتباع إجراءات الوقاية بعد أن وصل الحال الوبائي في المملكة إلى هذا الحد، وأن نتحول إلى مجتمع محافظ على نفسه والآخرين، ولا نضطر لأن ندفع غرامات مالية وعقوبات حتى نلتزم بالقوانين.
وبحسب سرحان، فإن الشخص الذي ثبت بالفحص أنه مصاب ولم تظهر عليه أعراض، فإن عليه واجب الالتزام بالحجر الصحي، وعدم التهاون في ذلك حتى لا يتسبب في نقل العدوى للآخرين، وقد يكونون من أفراد الأسرة أو الأصدقاء أو غيرهم، وهذا يتنافى مع القيم والأخلاق والشريعة، فهو تعمد للضرر بالآخرين واستهتار بصحتهم بل بأرواحهم أيضاً.
ويضيف، عدا أن المشكلة أن البعض ما يزال يعتقد أن من حقه أن لا يلتزم بالإجراءات الوقائية، معتبراً ذلك حرية شخصية هو يتحمل مسؤولية نتائجها، وهذا فهم خاطئ، لأن حفظ النفس واجب شرعي وليس حق الشخص أن يفرط بنفسه ويرمي بها إلى التهلكة سواء أدى ذلك إلى المرض أو الموت لا قدر الله.
العديد من الأطباء الذين تحدثوا عبر قنوات إعلامية عدة، أكدوا أهمية أن يكون هناك التزام بتلك القواعد للمحافظة على السلامة العامة، وليس فقط للشخص ذاته.
طبيب المجتمع والصحة العامة اختصاصي الوبائيات الدكتور عبد الرحمن المعاني، يقول في تصريحه لـ"الغد"، إنه من غير الممكن أن يكون هناك عدم مبالاة من قبل الأفراد في اتباع إجراءات السلامة العامة، التي قد تكون سبباً في انتشار الأمراض والأوبئة على المديين القريب والبعيد، مطالباً بأهمية أن يكون هناك التزام حقيقي يتمثل بارتداء الكمامة والتباعد الجسدي واستخدام كل ما يلزم للوقاية والتعقيم.
وبحسب دراسة حديثة حول أهمية ارتداء الكمامة والالتزام المجتمعي بالإجراءات، فقد تبين أن "ارتداء الكمامات في الأماكن العامة يعد من أكثر الوسائل فعالية للحيلولة دون انتقال كورونا، وتعد هذه الممارسة ضرورية لوقف تفشي الوباء إلى جانب تبني التباعد الاجتماعي والحجر الصحي وتتبع الحالات المصابة، لحين التوصل إلى لقاح فعال يقضي على الوباء".
ويؤكد سرحان أن الالتزام بالإجراءات الصحية الوقائية، وفي ظل التزايد الكبير لأعداد الإصابات يصبح أكثر أهمية بل هو الأسلوب الأكثر نجاعة وهو غير مكلف مادياً، فقط يحتاج إلى الوعي والالتزام والشعور بالمسؤولية تجاه الآخرين وتجاه المجتمع وتجاوز بعض العادات الاجتماعية غير المناسبة في ظروف انتشار الوباء كالمصافحة والتقبيل وحضور التجمعات والإكثار من الزيارات والتنقل.
ويضيف، وأن يبدأ الجميع من الخلية الأولى، وهي الأسرة، بالاتفاق والالتزام بالإجراءات الوقائية وعدم تجاوزها وكذلك التزام الزملاء في أماكن العمل والتزام المراجعين للمؤسسات الرسمية والأهلية، والتوقف التام عن إقامة حفلات الزفاف والاقتصار على أسرتي العروسين، وعدم فتح بيوت العزاء والاكتفاء بالتعزية عن طريق وسائل التواصل الاجتماعي.
ووفق سرحان، فإن التعاضد والتعاون ليسا فقط في تقديم العون والمساعدة للآخرين بل في الالتزام أيضاً، وقد يكون التزام الجميع في هذه الظروف أكثر أولوية ويشمل كل شخص مهما كان موقعه، فهو عنصر مهم في المجتمع وإنه على ثغرة فلا يؤتين من قبله، فمحافظة الشخص على نفسه هي خدمة للمجتمع أيضاً وتأكيد لصدق انتمائه والتزامه.