هيبة الدولة: أمثلة للنجاح وأخرى للفشل

لا توجد خطة حكومية معلنة لاستعادة هيبة الدولة، بعد سنوات من تراجع مكانة القانون في الحياة العامة، وتواضع كفاءة الدولة في أداء وظائفها الأساسية. لكن من الواضح وجود مسار لاستعادة هذه المكانة، تعود بداياته لأكثر من عام. حدث ذلك في ضوء مطالب شعبية واسعة وضغوط مستمرة باستعادة مكانة القانون، وإعادة ترميم العلاقة بين الدولة والمجتمع، بعد سنوات التحولات العربية التي شهدت أردنيا انسحاب الدولة وتراجعها في مقاربة قيل عنها الكثير في ذلك الوقت؛ من قبيل المناورة والانحناء قليلا في مواجهة العاصفة. لكن الذي لم نتوقف أمامه بجدية هو الأسباب الذاتية لتراجع هذه المكانة وضعف الثقة العامة التي تضرب اليوم في منظومة العلاقة التي تستند إليها كل من الدولة والمجتمع والسوق.اضافة اعلان
تنوعت هذه المرة الإجراءات المتخذة؛ من حملات أمنية إلى محاولات ضمان إنفاذ القانون. وهذا بحد ذاته يعد خطوة إلى الأمام، على الرغم من الانتقائية والتردد اللذين قد يصاحبان هذا المسار.
ما يجب أن يذكر هنا من أمثلة على نجاح هذا المسار، تراجع الاعتداءات المباشرة على حقوق الآخرين. فعلى الرغم من عدم وجود أرقام رسمية، إلا أن من الواضح أن ظاهرة سرقة السيارات قد تراجعت بشكل كبير؛ كما تراجعت أعمال السرقات والسطو في معظم المناطق، وتم الوصول إلى العديد من المطلوبين، كما إلى بعض المناطق التي كانت بعيدة عن الأجهزة الأمنية.
ومن الأمثلة الأخرى في القدرة على استعادة هيبة القانون، الإجراءات التي اتخذتها وزارة التربية والتعليم على صعيد امتحان الثانوية العامة (التوجيهي)، والتي أثبتت نجاعتها للمرة الثانية في الحد من أعمال الغش والتعدي على قاعات الامتحانات، واستعادة مكانة هذه الأخيرة. وكذلك هي الحال بشأن إجراءات دائرة المواصفات والمقاييس، والتي استطاعت خلال العام الماضي تقديم أمثلة على قدرة الدولة، إذا ما توفرت الإرادة والكفاءة، في إحداث فرق في حياة المواطنين ومصالحهم.
في المقابل، ثمة ملفات وأمثلة أخرى تتجاوز إحراج الدولة ورجالها، بل وتضرب عميقا في أساسات الدولة حينما تفشل في استعادة مكانة القانون والثقة العامة. ولعل أهمها ملف معان الذي ما يزال جرحا نازفا من دون دواء؛ إذ لجأت الدولة إلى الحل الأمني الأحادي الذي يثبت كل يوم فشله، ويزيد كل يوم أيضا من تشويه صورة الدولة وتهشيم ما ينجز في ملفات أخرى لاستعادة الثقة العامة. كذلك، حدث ذلك في ملف غابات برقش في الشمال، حيث تغيب الشفافية حول ما حدث ويحدث، وترك المجال العام فريسة للتسريبات والمعلومات المنقوصة التي تهشم كل يوم مصداقية سلطات الدولة ومؤسساتها. أما الملف الذي لا يقل خطورة، فهو عدم الحسم والشفافية في ملفات الفساد المعلقة منذ سنوات، والتي ارتبطت في الوعي العام بمدى جدية الدولة وإرادتها لصون القانون.
هيبة الدولة الحقيقية مصدرها الكفاءة وصون القانون. فالهيبة محصلة ونتيجة، تدل على قدرة مؤسسات الدولة ونخبها على ممارسة الوظائف العامة بجودة، وتمتعها بقدرات توزيعية عادلة في السلطة والثروة والقوة، كما القدرة على جعل القانون يعمل في خدمة الجميع، ومن أجل الجميع.
هيبة الدولة، في المبتدأ والخبر، هي كفاءة الدولة في إدارة الموارد، وتحويل الندرة إلى وفرة؛ وهيبة الدولة هي الكفاءة في استثمار الموارد البشرية، والتحول في مفهوم الولاء للأوطان من الولاء للأفراد إلى الولاء للإنجاز والنزاهة الوطنية؛ وهيبة الدولة هي في الاعتراف بالأخطاء والإجابة بصراحة ومسؤولية عن أسئلة الناس.