إنجازات افتراضية

لمسنا في الآونة الأخيرة  تطوراً مذهلاً في وسائل التواصل الاجتماعي، حيث أثبتت فعاليتها كأداة للتواصل والتفاعل بين الأشخاص في جميع أنحاء العالم بسرعة وسهولة، وباستخدامها نستطيع مشاركة أفكارنا ومشاعرنا مع الآخرين.

اضافة اعلان

 

ولم تغيّر هذه المنصات طبيعة وطرق التواصل بين الناس فقط، وإنما  كان لها تأثير قوي على حياتنا الشخصية والمهنية. ففيما مضى كانت شهرة الشخص تُقاس بنجاحه من حيث الانجاز وتحقيق الأهداف وتمتعه بسيرة مهنية أو شخصية مثمرة. واليوم نشهد تغيّراً واضحاً في هذا المفهوم، فقد جاءت وسائل التواصل الاجتماعي لتقلب المعادلة وباتت الشهرة على هذه المواقع تلعب دوراً مهماً في تحديد مستوى نجاح الأفراد، فعدد المتابعين والتعليقات وحجم التفاعل كل هذه اعتبرت مقاييس للشهرة والنجاح.


ومع تعدد هذه الوسائل وانتشارها أصبحت هذه المنصات توفر فرصًا هائلة للترويج للذات والتعرض لجمهور واسع وأصبحت الشهرة الرقمية عنصرًا أساسيًا في تحقيق النجاح. وأدى هذا الانقلاب في مفهوم النجاح الى تغيير جذري في تقييم الذات للأفراد، فعندما يحقق الشخص شهرة كبيرة من خلال هذه المنصات، يشعر بالثقة في قدراته وقيمته الشخصية وقد يشكل هذا بديلا مزيفاً عن الانجاز الحقيقي الذي يبدو أكثر كلفة. لا شك أن مواقع التواصل الاجتماعي نجحت في  توفير منصة هائلة للتسويق الشخصي، حيث يمكن للأفراد استغلال هذه الشهرة لتحقيق فرص مهنية جديدة وزيادة إمكانياتهم في سوق العمل، وهذا أمر لا عيب فيه لكن أن تتحول هذه المنصات الى بدائل عن الإنجاز الحقيقي فهنا تكمن المشكلة، وحقيقة الأمر إن هذا النجاح الرقمي هو سلاح ذو حدين: فيمكن لهذه الشهرة أن توفر فرصاً هائلة للتواصل مع جمهور أوسع، كما تمكن الأفراد والشركات من نشر رسائل ايجابية وتحقيق أثر ايجابي، ومن جهة أخرى يمكن أن ينتج عن هذه الشهرة عواقب خطيرة مثل زيادة الضغط والتوتر النفسي حيث يتعرض الأفراد لضغوط نفسية واجتماعية بسبب رغبتهم في الحفاظ على الشهرة على مواقع التواصل الاجتماعي، وقد يشعرون بالقلق من عدم وجود عدد كافٍ من المتابعين أو قد يخوضون تنافسًا شديدًا لحصد أكبر عدد من الإعجابات والتعليقات. 


ومع ذلك، يجب على الأفراد أن يكونوا على دراية بتأثيرات هذا التحول وأن يحافظوا على توازن صحي بين حياتهم الافتراضية والواقعية، وأن يقيموا النجاح بمعايير أكثر شمولًا وتوازنًا مثل الرضا الشخصي وتحقيق الأهداف المهنية والشخصية. فقد يصبح الشخص تابعاً ومدمناً على وسائل التواصل الاجتماعي، بقضاء ساعات طويلة من وقته في التواصل والتفاعل مع المتابعين، كما يعاني من التأثير السلبي على صحته النفسية والعقلية، ويتقوقع في عزلة اجتماعية وتنخفض لديه نسبة التواصل الواقعي والانجاز على الأرض. 


النجاح الحقيقي هو الموازنة بين الواقع والعالم الافتراضي، والسعي لتحقيق الانجاز الواقعي ذي القيمة، والذي يبقى في الذاكرة ونلمس آثاره في حياتنا الواقعية.

 

للمزيد من مقالات الكاتب انقر هنا