ما الذي ننتظره؟!

مكرم أحمد الطراونة
مكرم أحمد الطراونة

مصر وتركيا تعلنان رفع علاقاتهما الدبلوماسية إلى مستوى السفراء، ويسبق ذلك بكثير عودة العلاقات بين السعودية وإيران بعد قطيعة طويلة. في أثناء ذلك تسبقنا دول عربية عديدة إلى استئناف علاقاتها مع سورية. إذن، ما الذي ننتظره نحن لكي نتخلص من الوتيرة ذاتها في علاقتنا مع بعض الدول، وعلى رأسها إيران؟

اضافة اعلان


السياسة الخارجية الأردنية ثابتة الهوية ولم يطرأ عليها أي تغيير. صحيح أنها حققت نجاحات كبيرة ومميزة وساهمت بصورة رئيسية في الحفاظ على ثقل الأردن ومركزيته، ليس في المنطقة فحسب، وإنما في العالم الذي ينظر إلى هذه الدولة على أنها عنصر أساسي في استقرار الإقليم، وذلك بحكمتها وقدرتها على امتلاك رؤية دقيقة لغالبية الملفات الخارجية، لكن ربما بتنا اليوم في حاجة حقيقية إلى "ليونة" أكبر في سياسات التقارب مع بعض جهات، وصولا للتقارب مع الجميع من منظور المصلحة الأردنية الخالصة.


التقلبات السياسية أصبحت عنوانا رئيسا في المنطقة، فعدو الأمس بات صديق اليوم، وأصبحنا نعيش في ظل الأولويات المحلية للدول، والتي لم تكن يوما أولوياتنا العربية، وهو ما يستدعي بشدة تغييرا في الوتيرة الثابتة التي تحكم بناء علاقتنا مع المحيط، من أجل تنويع الخيارات الأردنية لضمان ديمومة دورنا في الإقليم والحفاظ عليه أمام طيف من دول تسعى لسرقته والاستحواذ عليه.


في الملف العراقي، ورغم تعدد المرجعيات السياسية هناك، نجحنا بشكل كبير بتحقيق اختراق في العلاقة مع الدولة الشقيقة بعد سنوات من الجفاء والتراجع، لتكون أنموذجا يحتذى به في قدرة السياسة الخارجية الأردنية على خلق نوافذ التقاء في أي علاقة خارجية، والعمل على تحسينها وتطويرها بما يخدم جميع الأطراف، رغم معرفتنا الجيدة أن إيران تجهد نفسها في محاربة هذا التطور في العلاقة بين بغداد وعمان.


إيرانيا، أعلم جيدا أن هناك لقاءات تجرى بين الحين والآخر مع مسؤولين من تلك الدولة بهدف بحث بعض الملفات، كما أعلم جيدا أن المشكلة الأساسية في تطوير العلاقات الثنائية بين الدولتين تكمن في المليشيات العسكرية الإيرانية التي تكمن بالقرب من الحدود السورية مع الأردن، وتنشط، هي وغيرها، في تهريب السلاح والمخدرات. لكن هذه المعضلة لا يمكن حلها إلا بمباحثات أردنية إيرانية مباشرة، واتفاقيات ثنائية تنهي هذا التواجد، بما يضمن قيام الجانب السوري بمهامه الأساسية في الحفاظ على أمن حدوده.


لست في صدد الدعوة إلى رفع مستوى العلاقات مع الجمهورية الإسلامية، إذ إن هناك رؤى أردنية خاصة في هذا الإطار تحددها السياسة الخارجية التي تعتمد في نهجها على المصلحة الأردنية كأولوية، لكن البقاء على ذات الوتيرة لن يحرك مياه البركة الراكدة، ولن يساعدنا في وقت ابتعد فيه الأقربون عنا!


جنين تحترق، ولا أحد يحرك ساكنا سوى بيانات تندد، والقرآن الكريم أحرق أيضا في السويد ولم يقابله إجراء بحجم الحدث، وسورية لا أحد يساعدها على الوقوف في وجه قانون قيصر وتغول إيران، أو بوضع حد للتدخل الروسي والأميركي والتركي في شؤونها ومصيرها، أما الأردن فقد تخلى عنه الجميع في موضوع اللاجئين السوريين المتواجدين على أرضه، ولم يوفوا بالتزاماتهم. المصالح هي التي تحكم السياسة الخارجية، كثير من الدول تنتهج هذا الأساس دون النظر إلى البعد الأخلاقي أو القيمي.


صحيح أننا في حاجة الآخر نظرا لأوضاعنا الاقتصادية الصعبة، لكن بالتأكيد فإننا نمتلك أدوات يحتاجها الآخرون أيضا، ولا يمكنهم الاستغناء عنها تحت أي ظرف، وربما كل ما علينا هو فقط إعادة تهيئتها واستخدامها بطرق أكثر نجاعة.


اليوم، نحن مطالبون بأن نفكر مطولا في الخروج من مأزق المشهد الإقليمي الذي يتغير بسرعة كبيرة، وأن نحدد جيدا بوصلة مصلحتنا الوطنية الخالصة بعيدا عن أي اعتبارات أثقلت كاهلنا طويلا، وملفات ما نزال نحملها، بينما شركاؤنا في العالم العربي مزقوا أوراقها منذ زمن بعيد!!

 

للمزيد من مقالات الكاتب انقر هنا