الأركان الأربعة للأردوغانية.. هل تستمر بعده؟

يصعب العثور على سياسي حقق ما حققه رجب طيب أردوغان، رئيس الجمهورية التركية، الذي أعيد انتخابه أول من أمس، لدورة انتخابية يفترض أن تنتهي عام 2028، وتكون الأخيرة، بحسب القانون الانتخابي.

اضافة اعلان

 

وقبل توضيح ماذا حقق أردوغان، يجدر طرح السؤال: إلى اين ستمضي الأردوغانية؟ هل ستكون هناك دولة أردوغانية تعيش طويلاً، أم ستنتهي هذه المرحلة مع أردوغان؟


أردوغان في سن التاسعة والستين الآن، أي أنّه إذا استمرت الأمور كما هو متوقع سينهي عهده في الرئاسة في سن الرابعة والسبعين. 


في تاريخ الدولة التركية يمكن الوقوف عند نظامين الأول العثماني، والثاني، الأتاتوركي. الأول حكم ديني، والثاني نسبة لمصطفى كمال أتاتورك (1881 - 1938)، عندما قاد تحرير تركيا من الاستعمار الخارجي إبّان الحرب العالمية الأولى، كما قاد عملية تغيير النظام السياسي، ضد الحكم العثماني، وضد حركات انفصالية، وأوجد النظام الحديث في تركيا الذي كان فيه قدر كبير من الاتجاه للغرب، والعلمانية غير المتصالحة مع الدين. 


ما زال أتاتورك يحظى بشعبية عالية جداً في تركيا، هو ونهجه، ولكن الدولة التركية بعد أتاتورك دخلت في عدد من الأزمات، واحدة منها العلاقة بين الجيش والنظام السياسي المدني، فكانت تدخلات وانقلابات الجيش تتكرر، وكانت المظاهر الدينية، مثل الحجاب مصدر توتر، وكان هناك أزمات اقتصادية متتالية، ولم يظهر رئيس قوي يقود البلاد، كما بدت تركية تائهة تريد أن تصبح جزءا من الغرب والغرب لا يريدها.


ما حققه أردوغان، على رأس حزب العدالة والتنمية، منذ بداية القرن العشرين، أنّه عالج مجموعة قضايا، ورسخ أربعة أمور، يمكن تسميتها أركان الدولة الأردوغانية، يدور السؤال الآن بشأن استمرارها. 


أولاً: المنهج العلماني الليبرالي بدل العلماني المنغلق
تبنى أردوغان منهجا علمانيا ليبراليا، يسمح بالتعددية الاجتماعية والفكرية. وبغض النظر عن تدين أو عدم تدين أردوغان وعائلته، فإنّ ما فعله (حتى الآن) هو السماح بالحرية الدينية والشخصية إلى حد كبير، دون عمليات أسلمة. كما أنّ أردوغان قلّص كثيرا دور تيار ديني منظم، يقوده الداعية الثري والمنتشر عالمياً فتح الله غولن، الذي انقلب من حليف إلى خصم. ولكن أردوغان لم يتمكن حتى الآن من حل مشكلات الأقليات القومية، خصوصاً الكردية. 


ثانياً: الليبرالية الاقتصادية
عدا الليبرالية التعددية الاجتماعية، فإنّ من أهم ما جاء به أردوغان، هو الليبرالية الاقتصادية، بعد عقود من نزعات اشتراكية، وقومية اقتصادية مغلقة، كانت تركيا تعيش فيها أزمات اقتصادية. وقد نال دعم جزء كبير من غير المتدينين، خصوصاً رجال الأعمال، بسبب سياساته الاقتصادية الليبرالية، وانفتاح البلاد للخارج، وكان أحد أسباب النهضة الاقتصادية، وربما من نتائج الانفتاح الاقتصادي، انفتاح تركيا على الشرق العربي، وتحول إسطنبول لوجهة سياحية، ومقراً لكثير من المؤسسات العربية، والعرب، الذين وجدوا في تركيا بديلاً لعواصم مثل بيروت والقاهرة كانوا يلجأون لها في الماضي. 


ثالثاّ: تقليص دور الجيش
قام أردوغان بتقليص دور الجيش في السياسة، واستطاع محاصرة طموح الجنرالات، وإحباط محاولاتهم التدخل في السياسة، وتنفيذ انقلابات. 


رابعاً: إقرار النظام الرئاسي

توّج أردوغان التحولات التي أدخل تركيا فيها، بتغيير النظام السياسي من برلماني، للبرلمان والحكومة البرلمانية اليد العليا فيه، إلى نظام رئاسي، للرئيس صلاحيات حقيقية وقوية فيه. هذا النظام له إيجابيات وسلبيات، من إيجابياته تحقيق قدر من الاستقرار والوضوح السياسيين، ومن سلبياته تركيز السلطة بيد شخص واحد، وخطورة أن ينتخب الناس رئيساً من حزب، وبرلماناً من حزب آخر فيحدث انقسام كبير. وتجاوز أردوغان في الانتخابات الأخيرة ذلك، بأنّ فاز هو وحزبه بالرئاسة والبرلمان بأغلبية كافية لتشكيل الحكومة.


بعد هذا النمط، يصبح السؤال، هل يمكن ترسيخ منظومة تستمر فيها هذه العناصر، بعد ذهاب أردوغان؟ 


هل سيستغل السنوات الخمس المقبلة، لتثبيت منظومة تستمر به وبدونه، وتهيئة خلفاء حقيقيين، وحزب، يكمل المسيرة؟ هل سيعثر على مكان له فيما تبقى من حياته في ترسيخ نهج؟ هذا هو السيناريو الأول. أما الثاني، أن يحاول تغيير الدستور ليعود رئيساً، وهذا صعب، وسيقضي على الأردوغانية كنهج ويبقيها في شخصه، والسيناريو الثالث، انتهاء ولايته دون تثبيت نهجه، فتعود تركيا لانتظار المجهول. 

 

للمزيد من مقالات الكاتب انقر هنا