الأزمة والعبرة !

هذه أكبر وأخطر أزمة تمر بها المنطقة منذ فترة طويلة ، تلك التي وقعت يوم السابع من شهر أكتوبر الماضي ، وما تبعها من حرب إبادة على قطاع غزة ، واعتداءات إسرائيلية على الضفة الغربية ، وارتدادات عسكرية شمال فلسطين والبحر الأحمر وسوريا والعراق ، ومآسي إنسانية تفوق الوصف ، وهي اليوم بين احتمالين : إما أن تنجح الجهود العربية والدولية في وضع بداية نهاية للجانب المأساوي منها، وإما أن يفشل الجميع في محاصرتها عند نقطة معينة كي لا تتطور إلى حرب مفتوحة على الصعيدين الإقليمي والعالمي .

اضافة اعلان

 

  جاءت تلك الأزمة متزامنة مع بداية مشروع وطني طموح نعمل عليه في مجالاته السياسية والاقتصادية والإدارية، بعد أن تم إقرار تعديلات دستورية، وقانون للانتخاب، وقانون للأحزاب، ورؤية اقتصادية وإدارية، وفق حيوية تتناسب مع الأهداف البعيدة لمئوية ثانية من عمر الدولة التي تتأثر بصورة مباشرة بالقضية الفلسطينية، وتتأثر كذلك بجميع التطورات والأحداث المحيطة بها، متحملة من نتائجها ما لا يحتاج إلى سرد أو عرض!


كانت الأحزاب الوطنية منهمكة في عملية التكوين والتنظيم، تسابق الزمن نحو موعد ليس ببعيد عن الانتخابات النيابية المقبلة، فجاءت هذه الأزمة لتضعها أمام وضع يتطلب أعلى درجات الوعي لفهم الحيثيات والمعادلات، والأهم من ذلك فهم موقف بلدها الأردن الذي عبر عنه جلالة الملك عبدالله الثاني قبل وأثناء اندلاع الصراع، الذي حذر من وقوعه ومن تداعياته طالما تواصل إسرائيل احتلالها للشعب الفلسطيني، وتنكر حقوقه وتعتدي عليه، وطالما تقف الشرعية الدولية مكتوفة الأيدي لفرض إرادتها في تطبيق حل الدولتين على أرض الواقع، إلى جانب الجهود الهائلة التي يبذلها في سبيل وقف جريمة الإبادة التي تمارسها إسرائيل، وتأمين جميع متطلبات الحياة التي منعها الاحتلال الإسرائيل عن أهل غزة المنكوبين.


نتيجة لهذا الفهم الذي تحقق بالفعل ، واصلت الأحزاب جهودها لاستقطاب المزيد من الأعضاء، وبعضها افتتح مقرات جديدة، وأجرى لقاءات وحوارات شملت أرجاء المملكة، وعقد جلسات نقاشية من أجل تشكيل موقف شعبي وطني موحد، ومتحد مع الموقف الرسمي، وقد أدرك الجميع أن صلابة موقف الدولة من هذه الأزمة ومن غيرها يعتمد أساسا على الإجماع الوطني الذي يضمن سلامة الدولة وأمنها واستقرارها، وثباتها في مواجهة التحديات، وقوتها ومكانتها في التوازنات العربية والإقليمية والدولية، من أجل حشد موقف دولي فاعل من شأنه إنصاف الشعب الفلسطيني، وصيانه الأمن والسلام في المنطقة والعالم .


من الأزمات نتعلم الدروس والعبر، ولعل العبرة الأهم تكمن في الوعي السياسي، وتلك من أولى أولويات العمل الحزبي، ولكن في هذه الأزمة الراهنة وجدت الأحزاب الأردنية نفسها أمام حالة غير مسبوقة، ذلك أن التعبير السياسي استند في مراحل سابقة من عمر الدولة إلى أيدولوجيات وصفت بأنها قومية وأممية ودينية، بدا فيها الصوت الوطني خافتا ليس ضمن معيار القوة والضعف في الموقف نفسه، ولكن بالشعارات وعلو الصوت ، فكانت الحصيلة فارغة المضمون، فلا هي نصرت قضية، ولا خدمت موقفا يؤثر في الأحداث ويدافع عن قضايا الأمة ومصالح شعوبها!


لا ندعي أننا بلغنا مرتبة عالية في هذه التوجه، ولكن الأحزاب الأردنية ماضية في مسيرتها نحو تهيئة بيئة سياسية حاضنة لجميع الآراء والاتجاهات الفكرية  لكي تبني على أرضيتها الموقف الوطني لبلد هو في الأصل قومي عربي حتى نخاع ، إسلامي في أبهى قيم الإسلام ومعانيه ورسالته الخالدة، إنساني في أعظم ما ينبغي للإنسانية أن تكون عليه من عدالة وتفاعل إيجابي بين الحضارات والديانات والثقافات .


يتفاعل الأردنيون بكل جوانحهم وقدراتهم مع أشقائهم في فلسطين، كما حال الدولة كلها، لكن من واجب الأحزاب الأردنية أن تكثف جهودها لتجذير هذه الحيوية وتنظيمها ، وذلك استعدادا للتعامل مع كل الاحتمالات مهما كان نوعها ، والثابت أننا سنتأثر بها مثلما سنؤثر فيها وبالقدر الذي تفرضه قوة الموقف، ووحدة الهدف والمصير!

 

للمزيد من مقالات الكاتب انقر هنا