الاستثمار في المدن السياحية الذكية والمستدامة


تواصل السياحة الدولية التعافي من أسوأ أزمة في تاريخها حيث وصلت أعداد الوافدين إلى 84 % من مستويات ما قبل الوباء بين يناير ويوليو 2023، وفقًا للبيانات الصادرة عن منظمة السياحة العالمية، حيث تقود منطقة الشرق الأوسط وأوروبا وأفريقيا انتعاش السياحة العالمية بارتفاع بنسبة 20 % على مستويات ما قبل الوباء، والطلب السياحي يستمر في إظهار مرونة ملحوظة وانتعاش مستدام، حتى في مواجهة التحديات الاقتصادية والجيوسياسية، حيث ارتفع عدد السياح الدوليين حول العالم بنسبة 43 % على أساس سنوي في الأشهر السبعة الأولى من 2023 إلى 700 مليون سائح.

اضافة اعلان


كذلك يواصل القطاع السياحي في الأردن تحقيق مستويات غير مسبوقة منذ بداية العام الحالي، مدفوعة بالأعداد الكبيرة للسياح القادمين إلى المملكة. وأظهرت أرقام وزارة السياحة والآثار، إن اعداد زوار المملكة الدوليين حققت ارتفاعاً ملحوظاً ومستويات غير مسبوقة مقارنة بالفترة نفسها من الأعوام الماضية، حيث بلغ عدد الزوار في الأشهر السبعة الأولى من العام الحالي 2023 نحو 3.75 مليون زائر، محققاً ارتفاعاً بنسبة 51.3 بالمائة مقارنة بالفترة نفسها من عام 2022.


تعد السياحة من مصادر الدخل الرئيسية لكثير من الدول، وتعتمد عليها ميزانيات دول كبرى، مثل فرنسا وإسبانيا وأميركا، فمثلا في الاردن تبلغ نسبة مساهمة القطاع السياحي للاقتصاد الوطني والناتج المحلي بـ14.6 %.. ومع التنافس الدولي الشديد على جذب مزيد من السياح، تظهر كثير من الأفكار السياحية الجديدة الموجهة لخدمة السياح. حيث بدأت عواصم ومدن في مختلف أنحاء العالم التحول إلى ما يسمى «المدن الذكية المستدامة»، وهو المصطلح الذي يتماشى مع التغير المناخي والتطور التكنولوجي الكبير، لتعزيز المرونة الاقتصادية، وجودة الحياة. 


يولي الأردن عملية ترسيخ قطاع سياحي مستدام أهمية كبيرة، حيث يحتل قطاع السياحة أولوية في الرؤية الإقتصادية 2033 للمملكة، إذ يمثل هذا القطاع ركيزة أساسية من ركائز التنوع الاقتصادي. وتعرّف منظمة السياحة العالمية UNWTO))، السياحة المستدامة بأنها السياحة التي تراعي بصورة كاملة آثارها الاقتصادية والاجتماعية والبيئية الحالية والمقبلة، وتلبي احتياجات الزوار والصناعة والبيئة والمجتمعات المضيفة.


ويتبنى الأردن التوجهات المستقبلية والعالمية التي تركز على السياحة المسؤولة والمستدامة لتعزيز تنافسيته، حيث تعمل المملكة على ترسيخ هذه الثقافة لدى الوجهات السياحية المحلية، وتركز على الابتكار والتحول الرقمي في هذا القطاع لزيادة الإيرادات والنمو وتعزيز فرص الشركات الصغيرة والمتوسطة، معتمدة في ذلك على نموذج رائد يقوم على تحويل كافة التحديات إلى فرص نمو، وتوظيف وتطوير تطبيقات التكنولوجيا المتقدمة لتعزيز جهودها في خفض الانبعاثات الكربونية، بما يسهم في تحقيق مستهدفات المملكة للحياد المناخي، وتحقيق التنمية الاقتصادية المستدامة.


يقيس مؤشر «تنمية السياحة والسفر» الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي (TTDI)، العوامل والسياسات التي تقود لتطوير واستدامة ومرونة قطاع السفر والسياحة بما يساهم في التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وتشمل المعايير الأعمال التجارية وظروف السلامة والصحة والبنية التحتية والموارد الطبيعية والضغوط البيئية والاجتماعية والاقتصادية، حيث حصلت المملكة على المرتبة السادسة عربيا و64 عالميا على المؤشر العام 2021.


وبالتالي لتعزيز السياحة المستدامة، لا بد من إعداد مخطط شمولي للمدن الذكية، والعمل على تحقيق متطلّبات الاستدامة، حيث تغطّي المتطلّبات مجموعة متنوّعة من المجالات بما في ذلك الإدارة المستدامة، ومقاييس الأداء، والتدابير الصحية، والاستثمار في التكنولوجيا الرقمية، والتدريب والتأهيل والابتكار، وبيئة الأعمال، وتطوير وتحديث البنية التحتية، بما يشمل أنظمة الطاقة المتجددة، وتطوير شبكة نقل خضراء ذكية، وأنظمة إدارة المياه، وإدارة النفايات وجودة الهواء، والزراعة والمساحات الخضراء، والسلامة العامة وإدارة الكوارث، بالإضافة للحوكمة.


كذلك يجب تحفيز جهود الشراكة مع القطاع الخاص للإسهام في صناعة مستقبل مزدهر لقطاع السياحة، وجذب الإستثمارات الصناعية والتجارية والحرف اليدوية، والاستفادة من قطاعي التجزئة والفعاليات، والتسويق الرقمي لجذب المزيد من الزوار المحليين والعالميين، بحيث لا تكون السياحة هي العامل المصيري في ديمومة المجتمعات المحلية وإنما داعم مهم لمواردها، وبالتالي خلق نمو اقتصادي شامل من خلال منتجات وتجارب سياحية حقيقية ومستدامة، تعزز من التسويق للأردن سياحياً والارتقاء بمكانته إقليمياً وعالمياً، والتقليل من تأثير موسمية السياحة والعمل على اثراء المنتج والتجربة السياحية بشكل مستمر لإطالة مدة إقامة السياح وزيادة إنفاقهم، وتكرار زياراتهم للاستمتاع بالتجارب الجديدة.


التنمية المستدامة ستولد وظائف محلية بشكل مباشر في قطاع السياحة وغير مباشر في عدد من القطاعات الداعمة والمعنية بإدارة الموارد، وتسهم في تعزيز نشاطات القطاعات المحلية المربحة، من خلال استثمارات متكاملة ومستدامة عبر تطوير حزمة خدمات ومنتجات وحلول لوجستية وتمويلية مبتكرة، ومصممة خصيصًا لتمكين المستثمرين، ورواد الأعمال، والمنشآت ذات العلاقة بالقطاع السياحي، دعماً لهم وتمكينهم من الاستفادة من الفرص الهائلة في قطاع السياحة، بما يعزز مكانة الأردن الرائدة على خريطة السياحة العالمية.   

 

للمزيد من مقالات الكاتب انقر هنا