برنامج جديد للتصحيح الاقتصادي.. ماذا ننتظر؟

برامج عديدة للتصحيح الاقتصادي أبرمتها وطبقتها حكوماتنا المتعاقبة مع صندوق النقد الدولي، وسط تباين في وجهات النظر ما بين الحكومي والشعبي. 

اضافة اعلان


فالحكومات المتعاقبة تؤكد في بياناتها نجاح التعاون مع الصندوق الدولي، وتستشهد بما يصدر عن تلك المؤسسة من إشادات بمستوى التعاون بين الطرفين، وبمخرجات الاتفاقات التي غطت عدة عقود ارتفعت فيها المديونية وزادت حدة البطالة والفقر وارتفعت فيها الأسعار وتكاليف المعيشة، ولم ير فيها المواطن العادي إلا أعباء جديدة، ومخرجات تتحول إلى تعقيدات في مستوى المعيشة.                                                                                        وبينما يغيب التقييم المحايد لمخرجات تلك البرامج، تتمسك الحكومة بتجديد اتفاقاتها مع الصندوق الدولي، وتعتبرها الوسيلة الأكثر أهمية لتمكينها من الحصول على قروض ميسرة بدلا من الاقتراض بالسعر التجاري، ومساعدات دولية رغم ارتفاع المديونية الى درجة كبيرة، وزيادة أعباء الدين إلى مستوى مرهق.                                                                                           الجديد هنا أن الحكومة أطلقت حوارا مع صندوق النقد الدولي للوصول إلى برنامج جديد، يبدو أن العامة يجددون تحفظهم عليه، ويتساءلون عما هو منتظر منه في ضوء مخرجات البرامج السابقة.                                                                                                 

 فبحسب أرقام العام 2022 ارتفع حجم الدين العام إلى حوالي 39 مليار دينار، وصولا الى نسبة 114 % من الناتج المحلي الإجمالي، بينما وصلت خدمة الدين العام إلى حوالي 16 % من مجمل الإيرادات العامة المحلية، وارتفعت معدلات الفقر ـ وفقا لمعلومات غير رسمية إلى 35 % ، مقابل أخرى رسمية تحدثت عن 24 بالمائة، وارتفعت معدلات البطالة إلى 22.8 % .

 

فالصورة التي تشكلت حول برامج التصحيح الاقتصادي معظمها سلبية، خاصة وأنها ترتبط بارتفاع الأسعار ورفع الضرائب والرسوم وتكاليف المعيشة بصورة مقلقة رغم تآكل الأجور وثبات الرواتب الحكومية.       

 

في المقابل، يتحدث الرسميون عن إيجابيات غير منظورة على مستوى العامة، وتركيز على أن الالتزام بالبرامج يعطي الحكومة هوامش إضافية للاقتراض بأسعار فوائد تفضيلية من مؤسسات الإقراض الدولية ومن الدول والحكومات ذاتها باعتبار أن شهادة حسن السلوك التي تمنحها تلك الجهات تعد بوابة للتيسير على الحكومات في الاقتراض. وهو العامل الذي تراه الحكومة إيجابيا، بينما يراه العامة سلبيا بحكم أنه يرفع من حجم الدين ويزيد من أعباء خدمته على الموازنة العامة.


فالتقييم الشعبي للحكومات المتعاقبة يقوم على اعتبار أنها تواصل الاقتراض، وتدخل المبالغ المقترضة في موازناتها، إما لتسديد عجز مقدر في الموازنة، أو لنفقات أخرى تراها مهمة. ولم تفلح حتى اللحظة في بناء موازنة تقشفية تعتمد على الإيرادات العامة فقط، مقابل اعتماد الأساسيات لإدراجها ضمن الموازنة والحد من الإنفاق غير المبرر. 


فكل الحكومات المتعاقبة كانت متهمة بالإنفاق الترفي على مختلف المستويات، والتوسع في تقدير الإيرادات لمنح نفسها هوامش إضافية لمثل هذا النوع من الإنفاق، ولجوئها في النهاية إلى الاقتراض لتغطية تلك المتطلبات. 


بعد آخر يردده العامة فيما يخص إعلان الحكومة عن برنامج جديد للتصحيح الاقتصادي مع صندوق النقد الدولي. فتلك البرامج ترتبط بمخرجات عنوانها رفع أسعار، وإلغاء أو تخفيض دعم تقدمه الحكومة، وزيادة ضرائب، بما يعود ـ ظاهريا ـ على الإيرادات العامة ويشكل أعباء إضافية مباشرة على محدودي الدخل، ويترك أثرا سلبيا على الاستثمار وعلى مستوى الفقر والبطالة. 


وفي هذا السياق، يتوقف المتابعون عند قرار مجلس الوزراء الذي صدر قبل يومين بمسمى إعادة هيكلة تعرفة المياه للمشتركين المنزليين، والذي يقوم على مبدأ تحويل الفاتورة إلى شهرية بدلا من ربع سنوية، ورفع أسعار المياه تدريجيا على مدى سنوات عديدة وهو القرار الذي استبق البرنامج الجديد، وجاء استجابة لمطالبات سابقة للصندوق الدولي.


أما في مجال التوقعات، فلا يستبعد الشارع أن يمتد البرنامج الجديد المنتظر وفقا لرغبات الصندوق الدولي إلى ما تبقى من عناصر دعم تتحدث عنها الحكومة حتى اللحظة. وتتمثل ببعض أصناف المحروقات، مثل مادة الغاز المنزلي المحددة أسعارها بسبعة دنانير والتي تؤكد الحكومة أنها خاضعة لدعم بمقدار الفارق في السعر العالمي مضافا إليه الكلفة. وكذلك الطاقة الكهربائية، وسط توقعات بإخضاعها إلى تعرفة جديدة ترفع السعر على بعض الاشتراكات، وتحدد تسعيرة خاصة لعدادات شحن السيارات الكهربائية، والتأسيس لفوارق سعرية على مستخدمي الطاقة المتجددة. 


اما العنصر الأهم والأكثر خطورة، فيتمثل برغيف الخبز حيث تواصل الحكومة الحديث عن دعم بملايين الدنانير للرغيف، ويرى العامة أن البرنامج الجديد قد يشمله بالرفع الى مستوى تخفيض الدعم.


كل تلك التوقعات تجعل من البرنامج المنتظر ـ بحسب قراءات الشارع ـ برنامجا لزيادة الضرائب ورفع الدعم وزيادة المديونية، وجميعها عناصر تثير قلق العامة وترفع من منسوب التحفظ على ذلك المشروع الذي تتمسك به الحكومة وتراه ضروريا على مستوى الدولة.

 

للمزيد من مقالات الكاتب انقر هنا